الشريط الإخباري

في طبخة الحصى الأميركية..

ليس من العبث أن تحضر قضية القوات الدولية في الجولان السوري المحتل بالتزامن وحصرياً في لحظة تراكم فيها الإدارة الأميركية من الحصى التي تجمعها في «قِدْر» حشدها لمكافحة الإرهاب, في خلطة اعتادت أن تقدمها أمام كل منعطف في المشهد الدولي، في حين طبخة الحصى المتنافرة على نار حامية تبدّد ما تبقى من مصداقية أميركية في ظل هوس باجترار النفخ في قرب مثقوبة بَطُلَت صلاحية استخدامها منذ أمد طويل.‏

العودة الأميركية إلى تأجيج شرارات الاشتعال في مستهل حديثها عن التحالف الدولي كما في متنه وخاتمته المؤجلة لبعض الوقت، يشي بأن الطريق المتعرج ومفازاته المتدحرجة أصبح غاية بحدّ ذاته، باعتباره وسيلة احتياطية لخلط الأوراق وإعادة تجميع الحصى في الموقد الأميركي اعتماداً على الأصابع الإسرائيلية التي اقتضت الضرورة أن تكون شعلته المتقدة تحت عنوان مكافحة الإرهاب.‏

نستطيع أن نجزم أن هناك الكثير مما يقوله الرئيس أوباما ووزير خارجيته لا يحتاج إلى تفسير ولا إلى تقديم استنتاجات إضافية، وقد نضح بما فيه، بعد أن تحوّل إلى ثرثرة وتكرار لأسطوانة واحدة رغم تغيير وتيرة النفخ بها صعوداً وهبوطاً منذ اللحظة التي قررت فيها الإدارة الأميركية التحشيد والاستنفار.‏

لكن هذا على المقلب الآخر لا يعني بأي حال من الأحوال أن ما يقولانه لا يزداد خطورة مع مضي الوقت، أو أنه لا يستدعي التوقف عنده والتدقيق في اتجاهه ومغزاه، بحكم أن الإصرار بحدّ ذاته هو موقف له ما قبله كما يترتب عليه ما بعده، بدليل أن عودة كيري إلى نغمة الأسلحة الكيميائية لا ينطلق من فراغ، وإن كان يقود إلى الفراغ ذاته، حيث يحاول أن يسترجع مشاهد باطلة وذرائع ممسوخة ومبتذلة لتحشيد ما يمكن داخل طبخة الحصى.‏

وإذا كان الكثير مما يجري تداوله على ساحة المشهد الدولي يرتبط بما آلت إليه الحسابات والمعادلات القائمة في المنطقة، فإن ما تبقّى من تلك التصريحات والمواقف يحتمي باسترجاع ممجوج ومستهلك للأوراق القديمة في استنتاج عملي يؤكد فشل ما أحدثته الكرة الأميركية في ملعب المنطقة من خلط، وعجز ما كشفته خلفها من بقايا وفتات يلحق وراء تدحرجها المتعرج على مسارات وطرق تبدو نهاياتها مغلقة أو مسدودة بالأساس.‏

وهذا يتقاطع مع الترنّح الذي يواجهه تحالفه بعد الاستعصاءات المتعددة التي واجهها، حيث تركيا تجاهر بشراكاتها السياسية والتجارية والمالية مع داعش، وترفض البيع المسبق قبل أن تقبض الثمن، بينما السعودية تضرب أخماس وهّابيتها بأسداس التنظيمات المموّلة لها، والتي تبحث عن تدوير إضافي في الزوايا وأزرار التحكم باتجاهاتها بحثاً عن مبررات استمرار وجودها الوظيفي، في حين تنشغل المحاور الأخرى بتكتيكات المجابهة وعوامل حصانة لتبعات ما موّلته في الماضي، تجنّباً لتداعيات ما تحمله مستقبلاً.‏

ما ثبت حتى اللحظة أن أميركا لا تكتفي بالنفاق في محاربة الإرهاب، بل تمارس عهراً سياسياً ودجلاً دبلوماسياً مع خليط من المقامرة والتهور والحماقة في العسكرة، وهي تبحث عن نوافذ وبوابات لتجديد نماذج الإرهاب المعتمدة وتشريع ممنهج لوظائفه المستحدثة والنفخ في رماد ما احترق من أوراقه في ضوء مقاربات تتعمّد تنمية موارده وشرعنتها سياسياً ودولياً، وأن تكون شريكاً مباشراً في إدارته بعد أن أفضت إدارة الوكلاء إلى فوضى طغت على فوضى الخراب والدمار في المنطقة، وأحدثت مصدّات تحول دون أن تتمكن واشنطن من الاسترخاء في توجيه تلك الفوضى وتعميم ما يليها من خراب منظم.‏

وما بات مؤكداً أن طبخة الحصى تزداد استعصاء وقد أتخمتها الإضافات الأخيرة بمزيد من المفارقات التي تجعل أي محاكاة واقعية مجرّد ثرثرة في مشهد يتورّم على وقع ما تمارسه الإدارة الأميركية من عبث بالجغرافيا وتعدّ على التاريخ وتجنّ على الحقيقة المرّة.‏

فتصبح الأكاذيب صناعة واحترافاً تلوكها ألسنة النفاق والعهر فوق موقد أميركي استماتت الأصابع الإسرائيلية في تقليب جمره تحريضاً وتشجيعاً، وقد أحكمت إمساكها بخيوط المشهد بدءاً من مشيخات الخليج التي أفرجت عن مواجع حنينها، وصولاً إلى التركي الذي ينصب خيم تقاسم غنيمة الإرهاب، وليس انتهاء بالعودة الأميركية إلى المربع الأول وفانتازيا المعارضة.‏

بقلم: علي قاسم