الشريط الإخباري

الانزواء الأوروبي..!!

لا يزال الانزواء الأوروبي يواصل حضوره في أروقة السياسة الدولية، وتزداد ملامحه وضوحاً كلما بدت القضايا الدولية الملحة أو المطروحة على تماس مع الدور الأوروبي، وبرزت هذه الإشكالية بمظهرها الفج في المواجهة القائمة حول الملف النووي الإيراني، حيث بدت أوروبا الغائب الأكبر في محاكاة الهواجس، كما كانت في طرح الحلول.

فالمحاولات الأوروبية كانت خجولةً إلى حدٍّ لم يكن بإمكان أحد أن يلحظ وجودها، والخطوات المنتظرة أوروبياً لم ترَ النور، لأسباب يعزوها البعض لغياب التأثير وضعف القدرة على المبادرة، بينما يرى آخرون أنها المقدمة الطبيعية للغياب الأوروبي الطويل عن التأثير والاستكانة بشكل تلقائي للهيمنة الأميركية، وربما كانت الحصيلة المحسومة لهذا الانكفاء عن لعب الدور في سياق مقاربتها للملف النووي والاتفاق الذي وقعته الترويكا الأوروبية وكانت شريكاً أساسياً، بل وربما ضامناً إضافياً في بعض المراحل..!!.

المهمة الأوروبية التي حملها وزير الخارجية الألماني لتخفيف حدة التوتر في المنطقة في الوقت البدل من الضائع، تبدو مقروءة من عناوينها الأولى، حيث الإجراءات التي كانت تعوّل عليها الأطراف المختلفة لتكون بديلاً يسدّ فراغ الانسحاب الأميركي، لم ترتقِ إلى مستوى التحديات التي تواجه الاتفاق، بل لم تصل إلى الحدّ الأدنى مما هو مطروح في سياق الاتفاق ذاته.

وجاء الصمت الأوروبي الطويل على المخالفات الأميركية ونقض الاتفاق ليزيد الطين بلةً، حيث بدت أوروبا مأخوذة بالتهديدات الأميركية ووعيدها أكثر مما هي مهمومة بالاتفاق ومصيره، رغم أنها أكثر المتضررين، وهي في قائمة الخاسرين من أي توتر في المنطقة، سواء تعلق الأمر بالاتفاق النووي أم ارتبط بالتداعيات السلبية للتوتر ووصول الأمور إلى حدّ المواجهة.

قدر أوروبا أن تكون السلم للنزول الأميركي عن الشجرة، التي بالغ الرئيس ترامب في الصعود إليها، أو أن تؤدي دور مطفئ الحرائق المشكوك فيها، وأكثر المشككين بذلك أوروبا نفسها، وتتصدرهم الترويكا الموقعة على الاتفاق التي بدت متماهية مع التهديدات الأميركية أكثر مما هي معنية بمواجهة التهور الأميركي، أو الوقوف بوجه الغطرسة التي يمارسها طاقم الحرب لدى إدارة ترامب.

الفارق أن أوروبا هذا المرة لم تخسر دورها في هذه الأزمة فحسب، بل تكاد تغيب عن خريطة تشكيل القوى المؤثرة عالمياً، وهو ينسحب على كامل القضايا التي يفترض بأوروبا أنها معنيةٌ بها، وخصوصاً ما يتعلق بقضايا المنطقة التي باتت عبئاً عليها، إلى حدّ أنها تستعين بالأميركي على حلّ المشكلات الداخلية التي تواجهها، رغم أن الرئيس ترامب لم يوفرها من التطاول، ولم يتردد في الوقوف في كفة بريطانيا ضد أوروبا، وفي كفة وزير الخارجية البريطاني السابق ضد خصومه داخل الحزب نفسه.

أوروبا تسدل الستار على آخر فصول الحضور، مكتفيةً بدور ساعي البريد للأميركي، أو ناقل الرسائل الحرفي في حروبها وتهديداتها ووعيدها لكل من يشذّ عن طاعتها، بينما تتحضر لتكون الغائب الأكبر عن لغة الأقطاب في اللعبة العالمية ومفاهيمها، لتبقى مجرد ظل ثقيل للأميركي وعصاه الغليظة حين تقتضي الحاجة.

بقلم: علي قاسم