الشريط الإخباري

رمال المشيخات وخرائط العنكبوت-صحيفة الثورة

تنفرج زاوية الرؤية داخل مشيخات الخليج إلى حدها الأقصى وتضيء ما توارى منها خلف خرائط العنكبوت التي نسجتها على مدى العقود الماضية، وكانت تتماهى من خلالها مع أدوارها الوظيفية وما تفرضه من معطيات، في وقت كانت تراهن فيه على حدّة التشابك بين تلك الأدوار والأطماع الغربية، وتعوّل على متانة المصلحة النفعية مع الدوائر الغربية لتخفي عيوبها الصنعية التي باتت مكشوفة وواضحة للعيان.‏

وسط تراكم تلك العيوب أرادت السعودية أن تعيد إنتاج الاحداثيات وأن تستعيد تشابكها على ضوء المتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم، وتقدم من خلالها نسخة معدّلة من أدوارها اعتماداً على سجل خدماتها المقدمة للغرب على مدى عقود حضورها على خارطة المنطقة ولو كانت بطبعة «سايكس بيكو» المُحدثة.‏

فالمشهد الخليجي اعتاد على محاكاة المعطيات في المنطقة من بوابة المال، وأنتج وفقاً لمؤشراتها دائرة من الاحتكارات السياسية والإعلامية التابعة التي أمّنت له «بروباغندا» قائمة على محظورات المسّ بالعائلات المالكة والحاكمة واعتُبرت في كل الظروف خطوطاً حمراء يُمنع ملامسة عتبة الحديث عنها، وبالغت الصورة في تظهير المفارقات الخلافية بين أدوارها على أنها مجرد تكتيك في توزيع الأدوار الوظيفية على ضوء الحاجة الأميركية.‏

وجاء التورّط السعودي في اليمن ليفتح الباب على مصراعيه أمام إعادة جدولة ذلك الحضور وما يقتضيه من إعادة تصويب خيوط التشبيك بين المشيخات، لشد الترهلات في الجسد الخليجي وتعويم الزعامة السعودية، بما يتطلبه ذلك من تحشيد للمواقف التابعة عربياً وإقليمياً، حيث مارست السعودية سياسة الوعيد على جبهات العمل المختلفة، وبادرت إلى تنصيب المفاهيم وفق مقاس الحاجات العملية التي تقتضيها الصراعات الخفية لتكون الوجه الآخر المعبّر عن الحالة المستجدة.‏

في السياق ذاته لم يكن التهوّر السعودي يستهدف فقط العودة إلى تعويم الزعامة الخليجية، بقدر ما عكس حالة من الهيجان في النزوع نحو تقديم النسخة المعدّلة من المهمات الوظيفية، بحيث تتحرك السعودية من الظل والخفاء إلى العلن والمجاهرة بوجودها، ومن الوكالة عبر الإرهابيين والتنظيمات المنضوية تحت رايتهم إلى الأصالة مباشرة، مع ما يقتضيه من مظاهر حشد سياسي وإعلامي وعسكري لتتسع دائرة التجاذبات وسط تهتّك في خيوط التوازنات الإقليمية وأبعادها المستقبلية.‏

على هذا النحو كان الانزلاق السعودي أبعد من مغامرة عسكرية متهوّرة، وأكثر من تورط في رمال متحركة، حيث يستقطب بالضرورة إعادة معايرة إقليمية ودولية لن تبقى أسيرة الحسابات الجزئية وحالة المراوحة في المكان والمساكنة في الزمان، لتفرض معطيات مختلفة ومتناقضة ستفرض حضورها في المشهد الإقليمي بمشاهد من الاستقطاب السياسي العمودي والأفقي، وأن يرخي بظلاله على مشاهد الاصطفاف السياسي التقليدية، وانسحاب ذلك على البنية الخليجية وخيوط ارتباطها المباشر مع الحالة المؤقتة التي أفرزتها تطورات الوضع العربي.‏

القاعدة المعمول بها حتى اللحظة الانتظار لما هو بعد التورّط السعودي، حيث المشهد يحتمل جزءاً من ردود الفعل.. ويمكن له أن يحتمل استيعاباً جزئياً لموجة من تسونامي الارتدادات المرحلية، لكنه في سياق التصعيد يأخذ اتجاهات انزلاق خطيرة لن تكون ساحة المشيخات بعيدة عن الخوض في تجاذباتها، وربما كانت مسرحاً لتصفية التداخلات والتشاباكات، مع ما تفرضه من انفراط في عقد خرائط العنكبوت المترهّلة والمرشحة للتهتّك على ضوء التهوّر السعودي.‏

المحسوم أن لعبة الشدّ والرخي قد وصلت إلى نهاياتها مع ما تفرضه من تجاذبات لم تعد صالحة للتداول، وفي النهاية ثمة استحقاقات تفرض إيقاعها، وتضع شروطها الذاتية والموضوعية، تحكم خيوط اللعبة بحسابات ومعادلات تخرج من معاييرها تراكمات العقود الماضية لتفتح صفحة من المواجهة التي لا تصلُح فيها خرائط العنكبوت لكبت الحسابات الجزئية والتفاضلات الكبرى بين مشيخات تتوه في رمالها وتحكم على ما تبقّى من علاقاتها المتشنجة بالموت السريري المبكر..!!‏

بقلم: علي قاسم

انظر ايضاً

عبث حافة الهاوية

 لم يكد يُعلن عن الاتفاق الأميركي التركي حتى ظهرت التباينات والتفسيرات والتفسيرات المضادة، التي شهدت …