الشريط الإخباري

رسائل ساخنة..!!

لا يحتاج الأمر لكثير عناء لملاحظة ذلك الخيط المتين الواصل بين إشاعة “كيماوي” ريف اللاذقية، التي ثبت كذبها، و”صاروخ بغداد” الذي سقط في المنطقة الخضراء قرب السفارة الأمريكية دون أن يخلّف أي خسائر بشرية..!!.

فكما كان متوقّعاً مع كل تحرّك للجيش باتجاه منطقة ما، عاد “الكيماوي” إلى الواجهة، وإذا كانت وظيفته السابقة في كل مرة عرقلة تقدّم الجيش من جهة، واستدراج عدوان خارجي من جهة أخرى، لكنه، هذه المرة، وبتدقيق بسيط بالدوافع والتوقيت والمرجعيات، يتجاوز تلك المهمتين، ويحتويهما معاً، ليرتبط، من حيث الوظيفة المأمولة، ببعد إقليمي أكثر منه محلي، أي بالكباش الإقليمي/الدولي الدائر في المنطقة، وسورية ساحته وطرفه الأساس، وتلك هي أيضاً حالة “صاروخ بغداد” الذي لم يصب هدفاً محدّداً، وإن أشار إليه، لتكون غاية مطلقه “المجهول”، ومطلق  إشاعة الكيماوي “المعلوم”، خدمة فريق الحرب الأمريكي – الخليجي – الإسرائيلي عبر تجميع الذرائع على تهديدات آنية وداهمة ومستمرة وذات بعد إنساني (الكيماوي)، ودبلوماسي (السفارة)، خاصة أن “حادثة الفجيرة”، على خطورتها وحساسيتها وبعدها النفطي، لم تحقّق المطلوب منها، ولم تتجاوز تداعياتها عتبة التصعيد الكلامي، إلا إلى إعادة انتشار للقوات الأمريكية في الخليج وتسيير دوريات أمنية مشدّدة لها منفعة ومفعول في الفضاء الإعلامي أكثر بكثير مما لها من مفعول عملي على أرض الواقع.

لذلك كان من الضروري تنفيذ عملية إعادة انتشار جديدة لفريق الحرب استنفاراً لموارده وتحديثاً لأفكاره وخططه، وهذا ما حدث، فإضافة إلى “الكيماوي” و”الصاروخ”، جاءت الدعوة لقمتين طارئتين، عربية وخليجية، في نهاية شهر رمضان المبارك لجمع القوى ورص الصفوف تحت عناوين مخاتلة من قبيل “الحفاظ على السلم والأمن الإقليمي والدولي وعلى إمدادات واستقرار أسواق النفط العالمية”، ولكن ليس لمواجهة قضايا الأمة الحقيقية وتحدياتها، بل للمساهمة في التعمية على هذه القضايا لمصلحة قضايا زائفة تمهيداً لإمرار “صفقة القرن” المشؤومة، ومن الدلائل اللافتة في هذا السياق أن “كبار” المدعوين إلى “قمم” السعودية سيكونون هم أنفسهم مدعوين لحضور خطوة جديدة، من خطوات تنفيذ هذه  الصفقة، تعقدها أمريكا في البحرين تحت غطاء “ورشة عمل اقتصادية” لسلام مزعوم في فلسطين، وسيدفعون “راضين” حصتهم في “رؤية كوشنر” لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل و”رؤيتهم” الحقيقية لسبب بقائهم على كراسيهم وعروشهم، وهنا مربط الفرس الحقيقي من كل ما يحدث من ضجيج وتهديدات وقرع لطبول الحرب في المنطقة، يشارك بعضنا فيها، ليس ضد مستقبل علاقات العرب الطبيعية مع الدول والشعوب الفاعلة في المنطقة بالكامل، بل ضد الأمة وأمنها القومي وقضاياها التاريخية الحقيقية وأسئلة شعوبها الحضارية المحقّة والوجودية أيضاً.

إذاً هذه مرحلة الرسائل الساخنة في المنطقة على خلفية إجراءات تنفيذ صفقة القرن، وعلى غرار “الكيماوي” و”الصاروخ” قد نشهد أحداثاً أخرى – لا تقل حمولتها ودلالاتها الرمزية عن حمولتيهما ودلالاتيهما- في مناطق مختلفة ومتعدّدة، لأن واشنطن تنظر إلى كل هذه المناطق كمسرح واحد للعمليات، كما قال جيمس جيفري المبعوث الأمريكي الخاص إلى سورية، بيد أن حقيقة الضعف الموضوعي الذي ألمّ بدعاة الحرب خلال الفترة الماضية، معطوفاً على جزع “ترامب التاجر” منها، وتفضيله، علناً، “الغزو” الاقتصادي على العسكري، هو ما يساعدنا على أن نفهم موت “حادثة الفجيرة” في وقتها ومكانها، وخمود زخم إشاعة “الكيماوي” في أوساط المنظمات الدولية الإنسانية والقوى الكبرى التي كانت تسمّي المتهم وتجرّمه وتعاقبه فوراً ودون تحقيق في المرات السابقة، واقتصار التهويل بصاروخ بغداد على الإعلام الخليجي، وبعض العربي الدائر في فلك البترودولار الأسود.

مرة جديدة، هو موسم الرسائل الساخنة، لكنها، وأمام إرادة الحياة لشعوب المنطقة وقواها الحية، ستجد من يتلقّاها، ويردّ عليها بوعي ومسؤولية، باعتبارها مرحلة واحدة، وإن كانت مفصلية، في صراع دائم ومستمر.

أحمد حسن