الشريط الإخباري

الانعطافة القادمة – صحيفة الثورة

لم يكن اللقاء الثلاثي بين القادة العسكريين في سورية والعراق وإيران الأول من نوعه فحسب، بل يأتي في توقيت يحمل الكثير من الرسائل السياسية والعسكرية، بينما جاء مضمون القضايا التي ناقشها اللقاء، ليضيف النقطة الأكثر حضوراً في القراءة الإقليمية والدولية على حدّ سواء.

لسنا بوارد استعراض الكثير من النقاط التي طرحت على بساط البحث، على الرغم من أهميتها ودورها في رسم ملامح المرحلة المقبلة، بل في المشاهد التي انطوى عليها اللقاء والمواقف التي أطلقها، والتي عكست إلى حدّ بعيد مدى التنسيق القائم والآفاق التي فتحها في المدى المنظور على قاعدة أن القادم سيكون أكثر عمقاً، وأكثر مقدرة على رسم الإيقاع العسكري والسياسي.

فالمتفق عليه في سلسلة القراءات الموازية والمرافقة، أن الأحداث والتطورات، وصلت إلى مرحلة انعطاف حادة، تشكل فيها المقاربات الميدانية، وانعكاسها السياسي الجزء الأساسي من قواعد الاشتباك التي رسمها اللقاء الثلاثي على أرضية واضحة وصريحة، لا تحتمل التأويل، ولا تحتاج إلى التفسير، بحكم أنها واضحة الدلالات، وصريحة في تفاصيلها، كما هي في العناوين.

الأهم أن التنسيق الذي كان قائماً، ولم ينقطع، يأخذ شكلاً جديداً من العلنية التي تمثل بحدّ ذاتها نقطة حاسمة في المشهد الإقليمي، ويرسم من خلالها المعادلات الجديدة التي تتطلبها المرحلة بطبيعتها الخاصة، انطلاقاً من الفهم الحقيقي لاحتياجات المرحلة وخصوصية المفازات التي تجتازها المنطقة على وقع الرسائل التي خطها اللقاء على هذا المستوى الرفيع.

وعلى خطّ موازٍ، كانت الإضافات من خلال الإجابة عن الكثير من الأسئلة المؤجلة في حديث القادة العسكريين، تستكمل ما بدأته الإشارات المسبقة من اللقاء، وعززت إلى حدّ كبير التوجهات العامة التي تعكس الإرادة السياسية للبلدان الثلاثة، وحجم التحدي المشترك في مواجهة الإرهاب التكفيري، والآلية التي تضع المحددات العملية للخطوات اللاحقة.

ما أظهره اللقاء ليس سوى الجزء اليسير مما أراد أن يخطه في رسائله المباشرة والفورية، على أن تتكفل الأيام القادمة بإظهار ما حققه من تفهّم وتفاهم على طبيعة الخطوات القادمة وآليات التعاطي مع المستجدات، حيث سنشهد إرهاصاتها المباشرة في المقاربات التي لن تقتصر على البعد العسكري، بل بالضرورة، ستأخذ سياقها السياسي ضمن منظومة عمل، تمت الإشارات إليها وتأكيد مضمونها.

حجر الرحى فيها أننا أمام خطوات وتحولات ميدانية، لا تتعلق بالمواجهة المفتوحة منذ ثماني سنوات على الأقل، بل تتعداه إلى تأطير للخطوات المطلوبة بمرتكزات عملية، تكون قاعدة انطلاق للمواجهة القادمة، حيث التحدي هنا ليس حكراً على الإرهاب؛ بل يشمل المشغّلين والراعين وحماتهم داخل الإقليم وخارجه، بنسقٍ له أدواته ومتطلباته ومقاربته التي تختلف في الشكل والمضمون.

الانعطافة القادمة لا تفرضها الضرورة العسكرية فحسب على ما لها من دور، بل أيضاً مقتضيات المواجهة المستعرة التي تتعدّد فيها أوجه الحرب وأشكالها ونماذجها العسكرية والاقتصادية والإعلامية والدبلوماسية، التي تفرض حتمية التطوير الموازي في التنسيق التقني واللوجستي، وصولاً إلى التطابق على جبهات التخطيط والتنفيذ، وإلى التكامل على قاعدة الجبهة المفتوحة على الأرض وفي السياسة، وخصوصاً بعد أن أخرجت منظومة العدوان ما في جعبتها، وعلى كل الجبهات.

بقلم: علي قاسم