بين صفقة القرن و«الناتو العربي»!

تتزاحم الأحداث التي تفتعلها الولايات المتحدة على الصعيد الدولي على نحو يأخذ العالم إلى صراعات طويلة الأمد تديم وتوسع حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي نشهده اليوم.

وكالعادة تبرز حجة الأمن القومي الأميركي كعنوان لكل القرارات التي تتخذها إدارة الرئيس الاميركي ومن سبقها بمعزل عن مصالح الدول الأخرى وكأن العالم مكتوب عليه أن يدفع ثمنه على جميع الأوجه.

تشكل المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي بؤرة مركزية للأمن القومي الأميركي لأسباب كثيرة منها الثروات الباطنية والموقع الجيوسياسي وكيان الاحتلال الإسرائيلي الذي لم تنعم المنطقة بسببه بالاستقرار والأمن منذ أكثر من سبعة عقود.

لا شك أن قوة الولايات المتحدة السياسية والاقتصادية والعسكرية توفر لها مقومات عديدة لفرض سياستها وتحقيق استراتيجياتها على حساب شعوب ومقدرات العالم وعلى الدوام تستخدم نفوذها لتسخير منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها لتحقيق أمنها القومي ولكن مع نمو وتعاظم قوى جديدة بدأت واشنطن تفقد عناصر مهمة في هذا الجانب وبرز ذلك جليا خلال السنوات السبع الماضية في محاولتها تكرار سيناريو احتلال العراق في سورية عبر مجلس الأمن الأمر الذي لم تتمكن منه بسبب الفيتو الروسي الصيني.

صحيح أن واشنطن شكلت تحالفاً غير شرعي خارج الأمم المتحدة بحجة محاربة تنظيم داعش الإرهابي واحتلت مناطق معينة ومعزولة شمال شرق سورية، ولكن ذلك لم يمنحها الغطاء القانوني الدولي وكذلك الأمر لم يوفر لها الأرضية السياسية الدولية التي كانت ستحققها لو تمكنت من إصدار قرار من مجلس الأمن يغطي عدوانها على سورية.

التحركات الأميركية الجديدة في المنطقة لإنتاج سرطان جديد باسم «ناتو عربي» بموازاة عملية الإحماء الجارية لصفقة القرن التي تهدف لإنهاء القضية الفلسطينية وتحويل وجهة الصراع العربي الأزلية مع كيان الاحتلال الصهيوني إلى إيران تواجه مصاعب عديدة أولها محاولة واشنطن القفز فوق الشرعية الدولية وبالتالي تنحية مواقف وسياسات الدول الصاعدة كروسيا والصين وغيرهما، والثاني قوة التحالفات الأخرى الرافضة لهذا التوجه العدواني الأميركي والمتمثلة بمحور مكافحة الإرهاب ومحور المقاومة.

إن طريق واشنطن لإعلان «الناتو العربي» وتمكينه من تحقيق أهدافه ليس مفروشاً بالورود على الرغم من خضوع دول عربية معروفة في الخليج وخارجه لها والجولات المكوكية لوزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة والتريث في إعلان بدء مرحلة جديدة من العبث بأمن واستقرار العالم ناجم عن القلق من فشل «الحلف العدواني» في تحقيق أهدافه ضد إيران والقوى المنافسة لواشنطن التي ترفض العمل خارج إطار الشرعية الدولية.

كل المؤشرات توحي بأن إدارة ترامب ماضية في إنشاء «الناتو العربي» لأنه في الأساس مطلب إسرائيلي رغم حذرها من ملاقاة الفشل الذي واجهته في سورية والعراق وتداعياته على أمنها القومي في المنطقة وسلطتها على المستوى الدولي.

في ظل هذا الواقع المحير لواشنطن على المستويين الداخلي والخارجي تغرق أغلبية الدول العربية في بركها الآسنة يوماً بعد يوم وبدلاً من أن تلتقط هذه الأنظمة لحظة ولادة تحول دولي جديد يحررها من الذل الأميركي تترك لهذا الأخير طرحها في مزاد جديد سمساره ومحركه كيان الاحتلال الإسرائيلي.

ليس كل ما يقال في الإعلام أو تبوح فيه حناجر المسؤولين الأميركيين هو ما يمكن أن يحصل أو يفرض وتجربة الحرب الإرهابية على سورية فيها من الدروس العظيمة للدول التي تضع شعوبها في أتون حرب لن تبقي شيئاً، ويكون المنتصر الوحيد فيها إسرائيل.

أحمد ضوا

 

انظر ايضاً

بغداد–دمشق المطلوب اقتران الإرادة بالعمل… بقلم: أحمد ضوا

حظيت مباحثات السيد الرئيس بشار الأسد مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني