الشريط الإخباري

الصدمة الأوروبية المفتعلة..!! – صحيفة الثورة

لم تكن تعبيرات الدهشة التي انتابت البرلمانيين الأوروبيين من حجم الذخائر والأسلحة الغربية التي كانت بحوزة الإرهابيين تعكس الحقيقة، ولم تترجمها الدهشة التي بدت مفتعلة في أغلب تجلياتها، بدليل أن هؤلاء البرلمانيين المصدومين كانوا على دراية أكيدة بعشرات التقارير الاستخباراتية وغير الاستخباراتية التي كشفت عن تورط حكومات أوروبية في صفقات الأسلحة المشبوهة، ومع ذلك لم نسمع أصواتهم ولا صدمتهم أو دهشتهم المزعومة.

المفارقة أن ما يطالب به النواب الأوروبيون يأتي بعد فوات الأوان، وبعد أن نُفذت صفقات الأسلحة التي يريدون منعها، والأغرب من ذلك أن أصابع الاتهام التي توجه إلى دول أوروبية محددة لم تكن الوحيدة التي مارست هذا الدور، بما في ذلك الدول الفاعلة داخل الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً أن فرنسا وألمانيا وبريطانيا ليست بريئة من هذه الصفقات والتي لا تشملها التحقيقات، وهي أكثر خطورة من تلك بأضعاف مضاعفة، والأهم أنها كانت بعلم ومعرفة تلك الدول تحديداً وبتحريض وتشجيع منها.‏

فإذا كان البرلمانيون الأوروبيون لم يكتشفوا هذه الصفقات والأسلحة حتى الآن فهي معضلة، أما إذا كانوا يعرفون وظلوا صامتين كل هذه الفترة -وهو الأرجح- فالمعضلة أكبر، خصوصاً أن الكثير من هذه الصفقات يعود إلى ما قبل أحداث المنطقة، ومنها ما تمت الموافقة عليه أو التوافق على تمريره على أعلى المستويات الأوروبية، وفق خطة كان يتم التحضير لها مسبقاً، وكان الدور الأوروبي وفق أمر العمليات الأميركي قد أعدّ مستلزمات المهمة الموكلة، ومنها التوقيع على تلك الصفقات تمهيداً لبحث طرق إيصالها للإرهابيين لاحقاً.‏

فتوقيت الحديث والتحرك الذي جاء متأخراً وفاقداً لأي معنى من معانيه يعكس قلقاً أوروبياً، ليس من حجم الأسلحة التي باتت في أيدي الإرهابيين، وإنما من مصير تلك الأسلحة ووجهتها القادمة، لأن البرلمانيين الأوروبيين وغيرهم من ساسة أوروبا أدركوا أن عودة الإرهابيين وبدء رحلة هجرتهم المعاكسة، لا بد أن تستولد تحريكاً للأسلحة في ذات الاتجاه التي جاءت منه.‏

التأخر الأوروبي في التقاط خيوط العلاقة وارتداداتها يبدو أنه فاقم من المشهد القائم داخل الاتحاد الأوروبي إلى حد أن المراجعات الأوروبية تواجه ارتباكاً ملحوظاً، خصوصاً مع تراكم لائحة طويلة من تلك المراجعات، لكن ما كان على تلك الشاكلة فإنه يشير إلى المأزق الأوروبي بصورة غير مسبوقة، في ظل افتقاد الإرادة السياسية لمعالجة جذرية لكثير من الأخطاء التي ارتكبتها أوروبا في العقد الأخير تحديداً، والذي شهد بروز الأطماع الاستعمارية والحنين إلى الماضي والموروث الاستعماري.‏

ويبقى الأخطر ما يتم تداوله على نطاق مؤسسات الاتحاد الأوروبي وليس البرلماني فقط من مغالطات سياسية ناتجة عن قصور متعمد في محاكاة الواقع، وناتج في أغلبه عن تردي الأداء الأوروبي، رغم أن حظر توريد الأسلحة الذي تأخر وجاء في سياق معنوي باعتباره غير ملزم، فإنه على مبدأ أن تأتي ولو متأخراً كل هذه السنوات ربما يكون أفضل في نهاية المطاف من ألا تأتي أبداً، على أمل أن تفتح الطريق أمام مراجعة جادة للدور الأوروبي تقود إلى مقاربة فعلية تحاكي ما وصل إليه..!!‏

بقلم: علي قاسم