الشريط الإخباري

الوظيفة المركّبة للإرهاب؟-بقلم: خلف المفتاح

تستثمر القوى الغربية ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية الإرهاب لتحقيق عدة أهداف، يأتي في مقدّمتها إضعاف أو إسقاط أو تدمير الدول والأنظمة التي لا تخدم سياساتها وتدور في فلكها السياسي، وهذه هي الوظيفة السياسية الأولى، أما الوظيفة الثانية فتتمثل في توفير الأرضية المناسبة والأسباب الموجبة للتدخل الخارجي بحجة محاربة الإرهاب، وهو ما حصل في كل من أفغانستان والعراق، وكذلك في الصومال واليمن ومالي، ما يعني أن استثمار الإرهاب أصبح أحد أهم الأدوات لتحقيق الأهداف السياسية عند الكثير من القوى العالمية، وإذا كان السؤال كيف لأمريكا والغرب أن يقوما بذلك وهما يضعان بعض التنظيمات على لائحة الإرهاب، فالجواب هو أن هذه الدول لا تستطيع أن تتناقض مع أيديولوجيا تطلقها أمام الرأي العام العالمي، وهي مكافحة الإرهاب ومحاصرته وتعقّب فاعليه، ولكن علينا أن نفصل ما بين الشعار والعناوين والممارسة العملية.

من هنا نكتشف حجم النفاق وازدواجية الخطاب، بل تناقضه في أحيان كثيرة، ولعل الأمثلة حية وحاضرة في هذا المجال، وهو ما جرى ويجري في كل من مالي والعراق وسورية، فالولايات المتحدة الأمريكية لا تتعامل مع الإرهاب كحالة معزولة ومن موقف أخلاقي أو مبدئي، بقدر ما تنطلق من الدور الوظيفي الذي يلعبه هذا النظام السياسي أو ذاك في هذه الدولة أو تلك وهو يواجه تنظيمات إرهابية، فإذا كان النظام السياسي يستجيب للاستراتيجية الكونية الأمريكية ويؤدي دوراً وظيفياً فيها، فالمساعدة في مكافحة الإرهاب حاصلة والتوصيف هو أنه إرهاب حتماً، أما عكس ذلك فالموقف والتوصيف مختلفان تماماً.

إن تناقض السلوك الغربي في مواجهة الإرهاب كتهديد للسلم العالمي بات مسألة تطرح أسئلة صعبة على السلطات الحاكمة في تلك البلدان، بدليل الارتباك الحاصل في مواقفها والتذبذب في تصريحات ساستها، ولعل ما جرى ويجري في العراق وسورية هو الذي عرّى مواقف العديد من الدول في هذا الشأن، فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وضعت تنظيم داعش على لائحة الإرهاب فإن ذلك الإجراء لا يبرّئ ساحتها من دعمها أو سكوتها الملتبس عمّا قامت به التنظيمات الإرهابية من جرائم في بعض البلدان.

ولعل ما قام به التنظيم في العراق وقبله في سورية ولم تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية وتوابعها في المنطقة منه مواقف واضحة وحاسمة، وخاصة أن التنظيم قد أعلن أنه لن يتوقف عن تحقيق أهدافه في إقامة “دولة إسلامية” في المنطقة الممتدة ما بين بلاد الشام والعراق والكويت وصولاً إلى جزيرة سيناء دونما إشارة إلى السعودية وتركيا وهي دول إسلامية، هو خير دليل على رغبة أمريكية ورضا مبطّن عن ذلك، وهنا تجدر الإشارة إلى تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل اللذين أنحيا باللائمة على الحكومة العراقية ورئيس وزرائها نوري المالكي عما جرى في العراق، أي حمّلاهما مسؤولية ذلك، وهذا يطرح علامة استفهام كبرى حول من يقف حقيقة وراء ذلك التنظيم منذ ولادته حتى الآن تمويلاً ودعماً وتسويقاً ورعاية وتوظيفاً؟.

إن تدمير المجتمعات وتفتيتها بفعل داخلي بعد الفشل في إسقاط الأنظمة باستخدام القوة العسكرية، بات سياسة أمريكية غربية وإسرائيلية لا تخفى على ذي بصيرة، فهذه مسألة اشتغلت عليها الأجهزة الاستخباراتية ومراكز البحوث والدراسات في تلك البلدان منذ ما يزيد على ثلاثة عقود ورصدت لها مليارات الدولارات واستخدمت لتنفيذها كل ما وفّرته أدوات الاتصال والتقانة الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي وقوى المجتمع المدني والعلاقات العامة من وسائل بهدف التغيير من الداخل عبر ما أطلق عليه الفوضى الخلاقة، والحديث المخادع عن الحرية والديمقراطية وحقوق المرأة والحوكمة وغيرها من عناوين تستقطب خاصة قوى التغيير في المجتمعات، وخاصة الشباب الذي يسعى الغرب لاستيعابه واستقطابه عبر عناوين جذابة تجعل منه أداة لتحقيق أهدافها دون إدراك أو وعي من تلك القوى للأهداف البعيدة التي يسعى الغرب إلى تحقيقها من خلال الاستثمار فيما عليه جاذبية الأنموذج الغربي المسوّق عبر الوسائل التي وفرتها العولمة عبر سياقاتها الإعلامية والثقافية.

إن الحديث عن استراتيجية تدمير المجتمعات والكيانات السياسية ومكوناتها باستثمار الإرهاب أو وسائل التقانة الحديثة أصبح سياسة معلنة لقوى الهيمنة الجديدة مستغلة الفارق الحضاري بين الشعوب وخاصة الشمال والجنوب، وأحياناً الغرب والشرق، بالمعنيين الكولونيالي والأبستمولوجي، ما يستدعي كسر الهوّة المعرفية وكذلك طرق التفكير السياسي عند بعض قادة الشرق ودول منطقتنا على وجه التحديد، فقرع جرس الإنذار لم يعُد مفيداً لأن العدو المقنّع أصبح في صحن الدار؟.

صحيفة البعث