الشريط الإخباري

المعابر الحدودية بلغة السياسة – صحيفة الثورة

يبدو أن الفصل بين السياسة وسواها في لغة المعابر الحدودية قضية شائكة، وتصل في بعض تجلياتها إلى حدود الاستحالة العملية، ومع ذلك ثمة من يراهن على تقديم قراءة أحادية الجانب من دون أن يأخذ بالاعتبار أنها بلغة الدول ومصالحها الناتج الطبيعي للعلاقات السياسية، التي تحاول أن تنتج أبعاداً اقتصادية بمواصفات تميل إلى التبرير والذرائعية لتسويغ ما يصعب على السياسة هضمه.

وفي مطلق الأحوال لم يكن فتح معبر نصيب مجرداً من إسقاطاته السياسية، بل في أهم القراءات التي لحقت به كانت السياسة المحرك الأساسي للاستنتاجات والتحليلات مع قليل من المعلومات التي يتم تداولها في نطاق الرتم الاقتصادي ومدلولاته، والفارق الأساسي يبدو مأخوذاً بالاعتبارات التي أدت إلى اتخاذ القرار من الأصل، حيث الأبعاد السياسية كانت المحرك الفعلي، ولم تستطع كل عوامل الاقتصاد ومغرياته أن تحول دونه، رغم ما تعكسه من سياقات موازية يحاول البعض أن يعزو كل ما جرى إليها.‏

الرسائل السياسية سباقة لكل أنواع المخاطبات والحسابات والمعادلات بما فيها ما يتم تداوله من حديث يأتي بلغة المصالح، ويحاول أن يقدم مقاربته من زاوية الحاجة والضرورة التي تمليها تلك المصالح، حيث ينبري السؤال الجوهري: أين كانت تلك المصالح حين تم تجيير المعابر في حينها إلى أوراق ضغط سياسي، استباحت فيها المحظورات، وتجاوزت تراكمات السنوات والعقود، ولم تأخذ بالمصالح التي كانت المتضرر الأساسي في حينها ..؟!‏

لسنا بوارد تقديم جردة حساب، ولا يحتمل المشهد الخوض في الاحتمالات الناشئة، ولا يتسع الوقت لكثير من الإجابات المحتملة، التي يبدو أنها ستضطر للدخول في خانة الانتظار من دون أن تلغي في الجوهر ما يثار منها وحولها، لكن في الوقت ذاته يصعب تجاهل كل ذلك من دون أن يكون حاضراً في التزامن المثير في فتح المعابر مع الجولان المحتل وعودة قوات الاندوف، وما فتحته من شهية للأسئلة عن المعابر مع العراق، التي باتت على نار حامية، وقد تشكل نقطة التحول في القراءة السياسية لخطوة فتح المعابر الحدودية كلها.‏

فالمسألة هنا أبرزت توازياً في الاعتبارات التي نشطت على هوامش الامتدادات السياسية، التي كانت الإنجازات الميدانية المحرك الأساسي لها، ولتعبر من خلاله الحسابات السياسية وما تفترضه القراءات اللاحقة من أبعاد لم يكن بمقدور أحد أن يتجاهل ما تفرضه من محظورات أطاحت بها الضرورات في حينها، وتعيد فرضها تحت عناوين الضرورات ذاتها والمحظورات عينها، وإن كانت جميعها تدخل في خانة إبداء حسن نية عدوانية تشاركت فيها المنظومة وأدواتها الإقليمية.. وبالغت بعض تلك الأدوات في تقديم الخدمات المجانية..!!‏

البعد السياسي هنا يتخطى حدود القراءة المصلحية والنفعية، ويتجاوز المفاهيم التقليدية المعتادة في فهم الأسباب والحيثيات، خصوصاً أنه يقود في نهاية المطاف إلى الإقرار العملي بأفول مشروع كانت منظومة العدوان تعوّل عليه، وتراهن على ما ينتج عنه من مفاعيل، تداخلت فيها الأطماع والإغراءات السياسية والاقتصادية، وصولاً إلى تشكيل خريطة افتراضية تم توزيع الحصص فيها وفقاً لمساحة المساهمة في ذلك المشروع، سواء جاءت عبر تمويل الإرهاب أم اقتصرت على عوامل الضغط التي كان قرار إغلاق المعابر أحد أوجهها المعتمدة، وربما أكثر أنواع الاستدلال السياسي على قراءة مؤشرات العودة إلى فتحها..!!‏

بقلم: علي قاسم