الشريط الإخباري

النيات لا تكفي ..!! – صحيفة الثورة

لم تقدم القراءات المتسرعة لما نتج عن لقاء سوتشي سوى المزيد من الغموض والضبابية على نتائج اللقاء، فيما بقيت القضايا الجوهرية والتفاصيل الأكثر أهمية عرضة للتأويل والتفسيرات المتباينة لجهة المآل الذي تنحو باتجاهه التطورات والمصير النهائي للوضع، وطريقة التعاطي مع المخرجات التي بدت أكثر صعوبة من النصوص المكتوبة فيها، وأكثر تعقيداً من العناوين التي أبرزتها المواقف المسبقة المعلنة بصيغها المختلفة.‏

فالواضح أن السياق السياسي القائم أبرز جملة تحفظات، لم يكن من الممكن تجاوزها، كما استحضر مجموعة من الهواجس المشروعة، التي راكمتها التجربة مع النظام التركي عبر صيغ مناطق خفض التصعيد، والتي عانت من ثغرات واختراقات كان بطلها رئيس النظام ذاته، والجماعات الإرهابية التي تبناها ودافع عنها، وما سبقها من مراوغة وكذب وتلاعب على الحبال، أوصلت الأمور إلى حافة الهاوية، ولو قُدّر له أن يبقيها على ما هي عليه حتى اللحظة لما تأخر، لأنه لا يزال يراهن على الاستثمار في الإرهاب رغم المواجع التي تفتحها عليه رعايته للتنظيمات الإرهابية.‏

اليوم.. المسألة تدخل اختباراً آخر يبدو أكثر جدية، باعتباره يحمل اتفاقاً موقعاً ومحدداً بأطر زمنية، سيكون من الصعب التلاعب بمضامينها أو العبث بمكوناتها، والمحددات الأساسية التي أبرزتها مواقف وتصريحات تم البناء عليها، خصوصاً لجهة التعهدات التي حددت الخطوات المطلوبة، والتي تشكل تحدياً لا يزال الكثيرون يشككون بقدرة النظام التركي على الإيفاء بمتطلباتها، هذا إذا افترضنا حسن النيات وجدية الرغبة في تنفيذها، وصولاً إلى إنجاز معطيات على الأرض تصلح للمحاججة من جهة، وللبناء عليها لاحقاً في تحقيق الهدف الأساسي، وهو تنظيف إدلب من الإرهابيين من جهة ثانية.‏

وعدا ذلك سيكون دوراناً في الحلقة المفرغة التي سبق للنظام التركي أن مارس ألاعيبه فيها مراراً وتكراراً، وإن كان ما تحقق في سوتشي، وبعد البيان السوري، يحسم جزءاً من الجدل الدائر ويحدّ من التفسيرات الخاطئة، ويعيد ضبط الإيقاع الذي ذهب الكثيرون للصيد خارجه، والبحث في الزواريب الجانبية التي شطحت بالبعض بعيداً في تقمص الدور ورسم إحداثيات افتراضية تحضر معها بشكل تلقائي هواجس التشكيك بجدوى الحديث أو النقاش مع النظام التركي، والمقاربة هنا تبقى محكومة بسياق ما تنتجه تلك التفسيرات مع الإضافات المحمولة على الإرث المتراكم من تصرفات هذا النظام.‏

النيات وحدها لا تكفي، والافتراضات الموازية من دون قرائن على الأرض تبقى مجردة من أي معنى، خصوصاً في سياق اتفاق تتقاطع فيه الخطوط المتباينة على نحو جلي، وترتسم نقاط التناقض في ملامحه بصيغة أكثر وضوحاً، وهو ما يعطي مشروعية للهواجس، خصوصاً أنه يقحم التعابير المطاطة ويستعيد جزءاً من المصطلحات، التي لا يمكن تبرئتها من الاحتمالات المزدوجة في أي قراءة، ولا سيما تلك المتعلقة بالمعادلات التي أنتجها الاتفاق والزوايا المواربة القائمة في أكثر من اتجاه، وعلى أكثر من صعيد.‏

وهذا يكفي للتريث في إطلاق الأحكام، والانتظار لتبيان الخيوط السوداء من قرينتها البيضاء المتداخلة معها على نحو يعيق الفرز الكلي، حالها في ذلك حال الفرز بين الإرهابيين المتشددين ونظرائهم المعتدلين، في فانتازيا تعيد إنتاج نفسها، وتفتح الباب على إعادة إنتاج الوهم، وربما التجارة والمتاجرة به، وإعادة التصويب مجدداً على ما تحقق حتى اللحظة.‏

بقلم: علي قاسم