الشريط الإخباري

ستفعلها إدلب – صحيفة الثورة

لم تكن مقاربات النظام التركي التي أعقبت قمة طهران مفاجئةً أو مستبعدةً، وخصوصاً أن الأمور وصلت إلى نهاياتها، ولحظة الاستحقاق أعلنت عن ذاتها، وما كان يخفيه بات مضطراً للبوح به، سواء دفاعه عن التنظيمات الإرهابية، أم الإضافات القادمة من خارج النص بالاصطفاف الوجودي له داخل منظومة العدوان، والدور الوظيفي الذي رسمته له دوائر القرار الغربي والأميركي تحديداً، حيث فشل في اختبار النيات، وانكشف تموضعه الحقيقي عبر محاكاة المواقف الغربية لذلك الدور، والوقوف خلفه والتعبير بوضوح عن دعمها له، وما يعنيه في حسابات السياسة وقراءات الدبلوماسية.‏

فالمسألة لا ترتبط فقط بالموقف من إدلب، وما حمله من عوامل تفخيخ كانت السبب الأساسي في بروز التباينات التي لم تستطع اللغة الدبلوماسية أن تحجبها أو تخفيها، وإنما في مسار الدور التركي المتفق على تفاصيله مع واشنطن التي روّجت له من خلال افتعال الأزمات وتفخيخ المسارات، وقد جاءته الفرصة ليعطل التفاهمات التي كان يعوّل عليها في نهاية المطاف، كي تحسم الخيارات والأولويات، وخصوصاً في هذه المرحلة الحساسة.‏

الاستعصاءات التي برزت في قمة طهران لم تكن مجردة من حسابات الدور التركي، ورأس النظام فيه، والتي تجلت على نحو علني في الاختلاف الجوهري بالمقاربة، وربما في الدوافع السياسية التي عصفت بشكل مباشر في الاتجاهات التي حكمت طوال الفترة الماضية، ونظمت إلى حدٍّ بعيد نقاط الاختلاف، وحالت دون انهيار المسار، بل ساهمت في تطوره وصولاً إلى النتائج التي تحققت في أكثر من موقع، ويُسجل للدبلوماسيتين الروسية والإيرانية قدرتهما على محاكاة واقعية تمكنت من إنجاز خطوات تُسجل لهما، وخصوصاً في المفازات الصعبة التي تجتازها بحرفية ومهنية عالية.‏

لقد فهم النظام التركي أن لغة المهادنة فرصة يحاكي من خلالها علاقته بالتنظيمات الإرهابية، وقد تكون بوابةً للشروع في تبييض صفحته، وربما في مرحلة لاحقة مشروع خلاص من تراكمات هذه العلاقة التي باتت تثقل عليه، ويواجه عبرها احتمالات معقدة وصعبة تهدد مستقبله ووجوده، غير أن الحنين إلى العلاقة مع الأميركي ودوره الوظيفي في خدمة الأجندات الغربية كان لها الغلبة، وأوصلت آستنة وتالياً قمة طهران إلى طريق بات الاستمرار فيه محكوماً بكثير من العقبات، وربما واجه استعصاءات غير محسوبة سياسياً.‏

المعضلة أن النظام التركي كان حبيس المشهد المتأزّم، ويبدو أن الغرق الذي لازمه في البداية مستمرٌّ حتى النهاية، وهو يستعجل تلك النهاية لاعتبارات تتعلق بتفاصيل المعادلات الإقليمية والدولية وخطوط المواجهة المفتوحة، التي بات فيها رأس النظام التركي ذراع أميركي يتطاول هنا وهناك عبر منظمات إرهابية تبناها منذ البداية، ويستميت في الدفاع عنها حتى النهاية، وهي لا تخفي رهانها وتعويلها عليه، ولا تتحرج من النفخ في قربته باعتباره القرينة الإضافية على العبث السياسي الذي تحاكي من خلاله واشنطن خياراتها في تعميم الفوضى والخراب، وصولاً إلى مناوراتها العبثية ذات الطابع العدائي المباشر، لتحريك المرتزقة والأدوات في توقيت مشبوه.‏

إدلب لن تكون استثناءً، وكما تمَّ كنس الإرهاب من مدن وبلدات قبلها، ستفعلها إدلب بمدنها وبلداتها وقراها، سواء قَبِلَ النظام التركي أم رفض، وسواء ارتفع السّعار الغربي أم تورّم، فالقرار محسوم، والإرهاب إلى زوال.. والتفاصيل تتكفل فيها الوقائع الميدانية، كما سبق لها أن تكفلت بغيرها، وما قد يلحق بها.‏

بقلم: علي قاسم