الشريط الإخباري
عــاجــل الخارجية: سورية تدين بأشدِّ العبارات هذا العدوان الإسرائيلي والاعتداءات التي سبقته على أراضيها، وتطالب المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي بإدانته، واتخاذ كافة الإجراءات الرادعة لوقف الجرائم التي يرتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني

في «مشكلة الفكر العربي» المعاصر-صحيفة البعث

 دمشق-سانا

لاشك في أننا أمة يغلب في تفكيرها الجانب العقائدي على الجانب البراغماتي، فلطالما اغتنت حياتنا المعرفية بالسجال الإيديولوجي عبر سيرورتها التاريخية، وافتقرت بالمقابل إلى تقديم المصالح انطلاقاً من أن المصلحيّة أو الذرائعية عيب كبير اجتماعياً وسياسياً وفكرياً، وحتى اقتصادياً، وهنا المشكلة حيث الاقتران الوثيق بـ «المبدئية»؟!.

ومن طرف آخر فقد واجه فكرنا العربي الحديث -في القرن الماضي-  مشكلة الاستناد إلى «نظرية معرفة» مواجهة جادة وحادة في وقت واحد، بينما يواجه الفكر العربي المعاصر – بعد 1990 – مشكلات عديدة عصيّة على التصنيف لأن هذا الفكر نفسه اليوم عصيّ على التصنيف ضمن أنساق معرفية أو ثقافية أو إيديولوجية أو براغماتية. وأصلاً لايوجد اليوم «فكر عربي معاصر» قياساً إلى ما شهدناه في القرن السابق، ولهذا أسباب عديدة أدى بعضها إلى تسطيح الوعي العربي المعاصر، وهشاشة إنتاج الثقافة المعاصرة، ولعل من أهم هذه الأسباب مايلي:

– تقدّم حوامل المشروع الصهيوأطلسي الرجعي العربي في المنطقة قُبيل مطلع هذا القرن، مقابل تراجع المشروع القومي العربي.

– انهيار الاتحاد السوفييتي وما تبعه من تقهقر اليسار العالمي في السياسة والفكر والمجتمع.

– يقظة الأصوليات والمرجعيات الطائفية والمذهبية والعرقية مقابل طفو آثار البترودولار على كل شيء في الحياة، وعودة الكتب الصفراء إلى الرفوف والعقول.

– أثر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي بوجباتها السريعة والمنبعثة في منطقتنا من المركزية الغربية والرجعية العربية في الحياة الفكرية، وفي جذب المثقفين والمؤلفين، وغياب سطوع الحواضر الثقافية المتألقة في بيروت والقاهرة ودمشق في القرن الماضي.

ولهذا يلاحظ المتابع غنى الفكر العربي الحديث نهضوياً حين أسهمت تياراته الأربعة الرئيسية: القومية – اليسارية – الليبرالية – الإسلامية في القرن الماضي بنشاط محترم شهدته الحياة الثقافية. فعرف الفكر العربي مفكرين كباراً في كل من هذه التيارات ومؤلفات مهمّة لا يمكن لذلك الجيل ولجيل اليوم وحتى المستقبل إنكار قيمتها وأثرها على نحو ما نجد في مؤلفات وكتابات قسطنطين زريق وشبلي شميّل وطه حسين وساطع الحصري وزكي الأرسوزي وزكي نجيب محمود وميشيل عفلق ومحمد عابد الجابري ونصر حامد أبو زيد.. ومعهم النهضويون من رجال الدين الإسلامي والمسيحي وهم كثر. وقد واكب هذا النشاط حركة التحرر الوطني العربية، وأسفر عن مد الفكر القومي العربي بعوامل أكدت حضوره وأغنت مشروعه وشرعيته في الفكر والمجتمع والسُّلطات.

والمشكلة الراهنة للفكر وللأنساق الثقافية كبيرة في هذه المنطقة من العالم، والواقع والحقيقة هي أنها مشكلة عالمية أيضاً في الشرق وفي الغرب، إذ لا بد من أثر وتأثير، ولكن بالمقابل هناك خصوصيات لا يمكن تجاهلها وهي مؤلمة على المستوى العربي والإسلامي. وركودها قد يؤدي إلى انفجار يصعب تحديد ملامحه ونتائجه.

منذ سنوات أثار أكاديمي عربي مشكلة بعد اطلاعه على تقرير التنمية البشرية الذي تنشره الأمم المتحدة نهاية كل عام جرّاء ضعف نسبة الإسهام العربي في البحوث العلمية على المستوى العالمي. تتلخّص المشكلة المُثارة بأنه: إذا حذفنا نسبة الإسهام العلمي العربي الإسلامي في الحضارة الإنسانية منذ ألف عام تصبح النتيجة صفراً، وبالمقابل لو حذفنا هذه النسبة اليوم تكون الخسارة صفراً.

لكن من جهة أخرى فإن الحياة العقلية والفكرية والثقافية في الغرب ليست بخير على نحو ما شهدته البشرية سابقاً جرّاء عصر التنوير وبعده. فقد انتهى عصر الحداثة وما بعد الحداثة في الغرب في نهاية ستينيات القرن الماضي وتحديداً مع ثورة الطلاب في فرنسا 1968 . واليوم لايوجد هناك مدارس ولا أنساق فكرية، ولا نظرية جديدة معاصرة للمعرفة، فقد أتت التشريحية والتفكيكية على كل شيء بعد ثورة المعلومة والعولمة، وتقدّم المحافظون الجدد، والنازية الجديدة، والفاشية العصبوية، وطرح نهاية التاريخ، ومعها نهاية العالم… لكن بقي هناك السجال سياسياً وحزبياً وفكرياً بعيداً عن المشهد الذي ترسم ملامحه في منطقتنا النار والدماء والخراب.

الحديث طويل ومتشعّب، وهو مُضطرب واسع للاجتهاد والاتفاق والخلاف في هذا الميدان، وقد كان حاضراً بشجونه المعطاء في الفكر العربي الحديث، وهو غائب وضعيف في الفكر المعاصر بسبب تقدم ثقافة الارتزاق والمأجورية وفضائيات «الاتجاه المعاكس» و«المحلّل».. ومازاد الطين بلّة ولَع الأجيال بالوجبات السريعة والهشّة التي تنتجها وسائل التواصل الاجتماعي وتستقطب الأجيال اليوم على حساب الكتاب، وأيّ كتاب؟!

ما أثار هذا الحديث هو لقاء السيد الرئيس بشار الأسد أول أمس مع رؤساء الوفود المشاركة في اجتماع الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتّاب العرب بدمشق، وتركيز سيادته على أنه «لا يمكن فهم الأزمات والحروب التي تتعرض لها الدول العربية بمعزل عن فهم مشكلة الفكر العربي، مع ضرورة خلق حالة من الوقاية الفكرية لدى المجتمعات العربية تتطلب فكراً تجديدياً وحواراً منهجياً بين المثقفين العرب..».

والحقيقة هي أن ما طرحه السيد الرئيس غاية في الأهمية، بل في الضرورة، نظراً إلى أهمية التشخيص، وخطورته، وواقعيته في وقت واحد، وهذا ما يحتاج معه الوطني والعروبي إلى وقفة طويلة متأنّية تُبنى على المراجعة النقدية أولاً. وهو يذكّر بقول لينين في تساؤله «ما العمل».. المثقفون هم أقدر الناس على الخيانة لأنهم أقدر الناس على تبريرها. كما يذكّر بالمقابل بأهمية قول حافظ الأسد: الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية.

فالمشكلة الراهنة في الأقطار العربية وفي كل قطر عربي متعددة الجوانب، والخطير فيها انتشار الظلاميّة والتكفير بين الأجيال في الفضائيات والكتب ووسائل التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى السياسة والأنظمة الرسمية الداعمة لهذا النشر الذي أفرز من بعض ما أفرزه شعار «باقية وتتمدد» فخسر العرب والمسلمون ما خسروه من بنى فوقية وتحتية.

وانتشر الإرهاب في مغرب الوطن ومشرقه، وغاب الفكر الحر العقلاني مع المأجورية والارتزاق في بلاط الرجعية العربية. وضعفت الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وطفت بالمقابل على السطح في عدد من الأقطار العربية أحزاب وتيارات لا تستند إلى ما يمكن أن يسمى نظرية للمعرفة على نحو ما شهدناه عند النهضويين في القرن الماضي..بل إن ما شهدناه من معطيات بنّاءة في ذلك القرن ضعُفت القدرة اليوم على تجديده وتطويره. فكيف بالبحث عن بدائل لمواجهة مشكلة هذا الضعف إذا كان لا بد؟!.

بقلم د. عبد اللطيف عمران

انظر ايضاً

الخارجية: سورية تدين بأشدِّ العبارات هذا العدوان الإسرائيلي والاعتداءات التي سبقته على أراضيها، وتطالب المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي بإدانته، واتخاذ كافة الإجراءات الرادعة لوقف الجرائم التي يرتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني