الشريط الإخباري

القالب المنزلق.. تقنية تناسب مرحلة إعادة الإعمار-فيديو

دمشق-سانا

(لا تبخسوا العقول السورية حقها) مقولة تحملنا جميعاً أفراداً ومؤسسات مسؤولية دعم الخبرات والكفاءات السورية التي تتجسد بين الحين والآخر في إنجازات علمية على أرض الواقع ولا سيما إذا تمثلت ببناء برج سكني من أربعة عشر طابقاً مع ملحق خلال 15 يوماً بتنفيذ من “إحدى شركات القطاع العام”.

كلما شاهدنا فيديو مصورا لعملية إنشائية بنائية في الصين أو اليابان أو غيرهما من الدول الأوروبية ندهش بسرعة إنجازهم لمنشآتهم.. لكن ربما حان الوقت لنتغنى بسرعة بناء محلية تنفذ لأول مرة لبرج سكني بتقنية القالب المنزلق في منطقة الديماس السكنية بريف دمشق بخبرات وكفاءات وأياد سورية بامتياز.

“تقنية القالب المنزلق” ليست بالجديدة على سورية فمنذ عشرات السنين استوردت سورية القالب وأدواته واستخدمته بإنشاء صوامع الحبوب كون بنائها اسطواني الشكل والقالب المنزلق يشكل أسلوباً لصب هذه الحوائط الدائرية المرتفعة جداً للخزانات أو الصوامع دون توقف لكن الجديد في الأمر هو ما قامت به كوادر مجموعة قاسيون التابعة للشركة العامة للطرق والجسور- فرع دمشق مع أبرز أساتذة الهندسة في سورية حيث درست خلال سنة ونيف إمكانية تطوير هذا القالب” بعد أن كان متروكاً منذ زمن دون استخدام” لتعديل شكله واستخدامه في بناء برج سكني.

وبدأ التحدي بإنجاز العمل وفق المهندس طارق اسماعيل مدير فرع دمشق للشركة العامة للطرق والجسور منذ 1-4-2017 حيث تم تأمين العمال لثلاث ورديات كون تقنية القالب المنزلق تتطلب العمل بشكل متواصل خلال 24 ساعة أي لا يمكن التوقف حتى الانتهاء من الطابق الأخير والا يتسبب ذلك في مشكلة بفك القالب وتركيبه بالتالي استهلاك ساعات مطولة من العمل.

وتقوم تقنية القالب المنزلق على تصنيع منصة وفق الابعاد المطلوبة تتوزع عليها “جكات هيدروليكية” ليتم تركيب القالب وربط جوانبه الداخلية والخارجية بواسطة اطارات معدنية تثبت أيضاً بجكات رفع هيدرولكية وتمر داخلها قضبان تسلق معدنية ويستمر تركيب حديد التسليح وصب البيتون على المنصة مع استمرار رفع القالب حتى يتحرر من البيتون وتسحب قضبان التسلق من داخله لتتم عملية فك وتنزيل القالب.

هذه العملية تحتاج لاجتماع عمال الحديد والخشب والكهرباء والصحية على مدار الساعة لإنجاز تمديدات كل طابق وتركيب الصفائح المعدنية التي يتم لحامها بالبلاط وفتح النوافذ والأبواب بجدران الطابق مباشرة قبل ارتفاع القالب المنزلق الذي يمشي ما بين 15 و20 سم في الساعة أي بمعدل طابق كل يوم حسب المهندس خالد القلع مدير المشروع.

خمسة عشر يوماً كانت كفيلة لإنجاز 14 طابقاً سكنياً مع ملحق وكل طابق يتضمن 4 شقق سكنية بمساحة 400 متر مربع للطابق الواحد ليأتي التحدي الثاني الذي أخذته على عاتقها شركة الطرق والجسور بإكمال العمل في البناء وتسليمه صالحاً للسكن مباشرة حسب المهندس اسماعيل الذي أوضح لمندوبة سانا “رغبنا كشركة بإكمال العمل حتى نهايته فأتممنا أعمال الهيكل الداخلية وبناء السقوف خلال 5 أشهر والآن نقوم بالتحدي الثاني الذي يستهلك عادة سنوات من العمل وهو إكساء البرج وفريق العمل مستمر بهمة عالية لإنجازه وتسليم الشقق “على المفتاح” سيتم في 1-4-2018 أي خلال عام واحد نكون بنينا برجا سكنيا متكاملا كان يستغرق إنشاوءه سابقاً ما لا يقل عن 5 سنوات”.

وفي موضوع الإكساء يشير المهندس القلع إلى أهمية تقنية القالب المنزلق في التوفير الاقتصادي الذي يحققه كون قياسات النوافذ والابواب متماثلة منوهاً باستخدام تقنية “الجي آر سي” لأول مرة في اكساء مشروع حكومي وهي عبارة عن اطارات جاهزة للنوافذ كبديل للرخام يتم تركيبها بسرعة لتواكب الانجاز السريع لأعمال الهيكل.

واليوم مع نهاية شهر تشرين الثاني تستمر ورشات العمل التي رصدتها كاميرا سانا في المشروع بعملية الاكساء وتركيب الملابن والسيراميك والحديد للأدراج حيث يتم العمل بالتزامن في كل الطوابق كما ذكر المهندس هيثم قيتو رئيس المكتب الفني في المشروع والذي نوه بالدقة العالية والتقنيات الحديثة المستخدمة في العمل.

وبالعودة إلى حديث مدير الفرع اسماعيل نجد أن قدرة القالب تصل لبناء 4 أبراج في الوقت ذاته وبعدها يجب اعادة ترميم القالب لكن ذلك العمل يحتاج وفق تعبيره لكادر عمالي كبير لان العمل بهذه التقنية لا يمكن ان يتوقف إضافة لمشكلة “رهاب الارتفاع الشاهق” التي يعاني منها العمال رغم اتخاذ اجراءات السلامة المهنية ومشكلة تقلبات الاحوال الجوية التي تنعكس أحيانا على أداء الروافع البرجية.

وبضحكة مملوءة برهبة الإنجاز يقول اسماعيل: “التجربة ناجحة بامتياز.. كانت مغامرة شاقة عندما أجلس مع فريق العمل ونتذكر ما فعلناه خلال أول 14 يوما نقول نحن مغامرون ونضحك” مضيفا: “لأول مرة في الشرق الاوسط يتم تنفيذ مشروع بكامله بتقنية القالب المنزلق صحيح أن هناك مشاريع عالمية اليوم تستخدم هذه التقنية لكن تستخدمها في بناء وحدات جزئية من المشروع وليس بكامله.. هنا الجميع آمن بالفكرة وأصرينا على التسليم في الوقت المحدد وفي المشروع القادم سننجز المشروع بوقت أقصر من هذا لأننا تعلمنا الكثير من هذه التجربة وأصبحنا نعلم كيف نتجاوز أي صعوبة تعترضنا”.

هذا القالب ذو الجدوى الاقتصادية الكبيرة والذي ساهم ببناء برج سكني مقاوم للزلازل حتى درجة 10 ريختر لا بد أن يكون جزءا من منظومة إعادة الإعمار القادمة في سورية لأنه حل من حلول التشييد السريع التي طالما انتظرها المواطنون ولا سيما الذين اكتتبوا على شقق سكنية منذ سنوات وإلى الآن لم يتم تشييد أي بناء فيها مثل المنطقة الممتدة من قرى الأسد وحتى طريق بيروت.

ما سبق ذكره يدفعنا للدعوة بإصرار لدعم هذه التقنية بكل الإمكانيات وتعميمها على المحافظات وخاصة أنها من إنجاز موءسسات القطاع العام التي كان لها الفضل في بناء سورية الحديثة خلال العقود الماضية ونشير إلى أن بعض أصحاب المصالح الشخصية قد لا تروقهم الفكرة الجديدة وخاصة المقاولين وتجار الإنشاء الذين قد تتضرر مصالحهم بعد أن كرسوا لعقود طويلة مقولة “سجل على بيت ليستلمه أبناؤك”.

ندى عجيب