الشريط الإخباري

فراس السواح لـ سانا: لم نعرف حضاراتنا حق المعرفة

دمشق-سانا

“كان الله هاجسي منذ الطفولة عندما اختبرت وجوده في أعماق نفسي لذلك بحثت عن الله وتجلياته في ثقافات العالم وليست مؤلفاتي سوى مذكرات تصف هذه الرحلة في تاريخ أديان الإنسان”.. هذا ما عبر عنه المفكر والباحث السوري فراس السواح في أحد لقاءاته وهو الذي اختار دراسة الأسطورة وشعائر وطقوس الديانات القديمة في سورية ووادي الرافدين بحثاً عن وحدة التجربة الروحية فالأسطورة الحق بالنسبة له “هي التي تفصح عن وجهين الأول وجه القدم والثاني المزروع في السرمدية”.

بحث السواح وهو ابن مدينة حمص التي ولد فيها عام 1941 في المثيولوجيا وتاريخ الأديان وعبر رحلة موغلة في العمق والعلم قادته إلى الصين ليعمل اليوم كبروفيسور في جامعة بكين للدراسات الأجنبية وهو المختص بدراسة الحضارة العربية وتاريخ الأديان في الشرق الأدنى.

رحلة السواح الشيقة بداها مع “مغامرة العقل الأولى 1978” حيث عمل على جمع النصوص الكاملة لأهم الأساطير المعروفة في سورية وبلاد الرافدين وقارن نصوص هذه الأساطير مع كتاب التوراة العبرانية وتتبع علاقة الأساطير السورية والبابلية بأساطير الشعوب المجاورة كالمصريين والإغريق.

وعما استهواه في هذا الحيز المعرفي ودفعه إليه قال السواح في تصريح خاص لـ سانا “لست أنا من اختار موضوع البحث بل هو الذي يختارني وعندما اشرع بكتابة موضوع ما يستولي علي ويتلبسني ولا استطيع منه انفكاكا حتى أنهي الكتابة عندها ارتاح من قلق المعرفة”.

“اعرف نفسك” هو الشعار الذي استقاه السواح من هيكل ديلفي وعند سؤاله عن أن معرفة الإنسان في منطقة معينة كافية لفهم حضارتها قال “معرفة الحضارة مشروع كبير ونحن إلى الآن لم نعرف حضاراتنا حق المعرفة وهو يحتاج إلى أجيال من الباحثين والكتاب والفنانين وعملية ابتعاث الحضارة وتشرب خلاصاتها ليس من أجل العودة إلى الوراء لأن التقدم إلى الأمام يحتاج دائما إلى الالتفاتة إلى الماضي حتى نفهم ثقافتنا وبناء الجديد منها انطلاقا من الأرضية الراسخة للثقافة القديمة”.

وفي عام 1985 سافر بنا السواح من خلال “لغز عشتار.. الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة” عبر التاريخ الإنساني بهدف تقديم بحث عن شخصية الآلهة الأم الكبرى “عشتار” وفي عام 1987 ترجم السواح نص الملحمة البابلية الشهيرة بحثاً عن الكنوز الخفية في كتابه “كنوز الأعماق قراءة في ملحمة جلجامش” وقدم مدخلاً واسعاً لفهم خلفيات الملحمة الأدبية والأسطورية والتاريخية ثم أتبع النص بدراسة تحليلية ألقت أضواءً على المعاني الخفية للملحمة ومقاصدها وآثار هذه الملحمة في ثقافات العالم القديم.

وعند سؤاله اين يقف بين الفلسفة أو الأسطورة قال السواح “أنا باحث في المثيولوجيا وتاريخ الأديان والمثيولوجيا جزء من الدين وهي محور من أبحاثي التي تركز على ديانات المنطقة المشرقية لأنني أرى الدين ليس طقوسا فحسب بل ظاهرة ثقافية وحضارية وعندما نتحدث عن حضارة شعب فاننا نقصد فنونه وأدبه ومعتقداته الدينية ليكون الدين عنصرا ومكونا في ثقافات الشعوب”.

مؤلفات وكتب السواح رغم عمقها وصعوبة فهمها للقارئ العادي إلا أنها تحظى بشعبية كبيرة في سوق الكتاب العربي وتطبع عشرات المرات وعن ذلك نفى أن تكون كتبه صعبة للقارئ العادي فهو كما يقول “يبذل كل جهده لتسهيل عملية القراءة أمام من يطلع على كتابه ورغم أن الموضوع الذي يتصدى له صعب إلا أنه يعمل على معالجته بطرائق سهلة ودائما يضع القارئ في ذهنه لدى صياغة أفكاره وكيف يوصل المعلومة إليه وهذا بحد ذاته ياخذ منه نصف جهد الكتابة”.

طور السواح اهتمامه بالثقافة والفلسفة الشرق آسيوية منذ شبابه فقد قرأ كتابا في الجامة عن الفلسفة الصينية بعنوان “حكمة الصين” كما وجد الأفكار التاوية مثيرة للاهتمام بشكل خاص عندما قرأ عنها فأراد التعريف بالتاوية للقراء باللغة العربية ليترجم كتاب “التاو تي تشينغ” الكتاب الشهير لمؤلفه “لاو تزو” وهو باحث صيني عاش في القرن السادس.

وعند سؤاله عن تجربته في تدريس طلاب الجامعة بالصين وكيف ينظرون إلى حضارتنا مقارنة مع تاريخهم الحضاري قال السواح “الصين حضارة قديمة جدا ومنغلقة على ذاتها ولا تكاد تعرف حضارات الآخرين وهي لم تنفتح على العالم إلا في القرن العشرين فكلمة العالم في اللغة الصينية تعني الصين كاملة ومعرفتهم بالثقافات الأخرى محدودة وهم فخورون بثقافتهم لكن نحاول أن نوصل إليهم ثقافتنا ولغتنا وأن نطلعهم على الآداب والتاريخ العربيين والديانة في المنطقة المشرقية حيث ادرس طلاب الدراسات العليا في جامعة بكين مادة “تاريخ فكرة الله” ومن خلالها أبحث في الديانات المشرقية وكيف تطورت فكرة الله وصولا إلى الإسلام ثم اعرفهم بهذا الدين كثقافة وحضارة”.

السواح الذي وقع المجموعة الكاملة لأعماله والتي بلغت 23 مجلدا في معرض الكتاب الأخير بمكتبة الأسد لفت إلى أن هذا الحدث كان مهما بالنسبة له ولدار النشر ولأنه في سورية خلال اجازته الصيفية كان يجب أن يتواجد في المعرض للتوقيع على الأعمال الكاملة.

وكان السواح انتقد عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي من يهاجم معرض الكتاب حيث قال “إن من بقي في الوطن يود العودة إلى الحياة الطبيعية فلماذا تنكرون عليهم ذلك إني أحيي كل من خرج من المعرض يتأبط كتابا وهو أحوج إلى ربطة خبز”.

ورفض السواح في ختام حديثه الافصاح عن موضوع الكتاب الذي يشتغل عليه حاليا لأنه في بعض الأحيان بحسب تعبيره يتوقف عن الكتابة في نطاق بحث ما بعد ان يكون قطع نصف الطريق لأسباب عديدة.

نشر السواح ما يقارب 26 كتابا عن الأساطير والتاريخ وتاريخ الأديان وله كتب مشتركة مع عدد من المؤرخين وعلماء الآثار في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وهو عضو في اتحاد الكتاب في سورية وعضو في الإتحاد العام للكتاب والأدباء العرب.

وتضمنت المجموعة الكاملة التي اصدرتها دار تكوين مغامرة العقل الأولى وهو الذي رأى و لغز عشتار والحدث التوراتي والشرق الادنى القديم” ودين الإنسان وجلجامش والأسطورة والمعنى وآرام دمشق وإسرائيل وكتاب التاو والرحمن والشيطان وتاريخ اورشليم ومدخل الى نصوص الشرق القديم والوجه الآخر للمسيح وطريق إخوان الصفا والإنجيل برواية القرآن والغاز الانجيل والله والكون والإنسان والقصص القراني ومتوازياته التوراتية إضافة إلى موسوعة تاريخ الأديان المكونة من خمسة مجلدات.

رشا محفوض

 

انظر ايضاً

المفكر فراس السواح يحاور مثقفي حمص

حمص-سانا نظرة العقل البشري للميثولوجيا (علم الأساطير) وتاريخ الأديان للوصول إلى مكنون المعرفة كانت محاور …