الشريط الإخباري

خفايا «الحَرَد» الخليجي..!!-صحيفة الثورة

لم تستطع الإجابات الخليجية ولا التبريرات الأميركية أن تقدّم الحدّ الأدنى من الإجابات المقنعة لأسباب التعديل في الحضور الخليجي، والذي بدا في التوصيف السياسي على أنه شكل من أشكال الحَرَد غير المسبوق، فيما كانت بعض التحليلات تذهب باتجاه الحديث عن مقدمة أميركية مباشرة لتعديل إضافي في بنية وتركيبة الحكم الخليجي ومظاهر التعاطي معه.

في الواقع لا تبدو هذه ولا تلك مقنعة بدليل أن الخفايا المسكوت عنها والمحيّدة عن النقاش تحضر خلسة وتطفو على السطح، في وقت تبرز إلى العلن وبالتوازي معها قصص عن حالة من الافتراق في المقاربات -قريبها وبعيدها- بين أميركا والمشيخات على ضوء التطورات الأخيرة التي وضعت العلاقة الخليجية الأميركية لأول مرة أمام تباين وصل في بعض تفاصيله حدّ التناقض.‏

فالاستعاضة السعودية عن ذهاب الملك بوَليّ عهده ووَليّ وَليّه لم تكن فكرة سعودية على الإطلاق، ولا تدخل في باب تسجيل المواقف التي يروّج لها البعض، بقدر ما تعكس رغبة أميركية في إيصال الرسالة إلى حيث يجب أن تصل، وهو ما عكسه التعبير الأميركي عن أن مستوى التمثيل الخليجي في القمة مناسب تماماً لما تريده أميركا، أما بقية التفاصيل فهي ملحقة من أجل إملاء فراغ الوقت ريثما تنضج الرؤية الأميركية وتتهيّأ الظروف الضرورية للمباشرة بالتنفيذ وفق معايير كانت قد سرّبت جزءاً منها داخل الأروقة الأميركية الضيّقة، التي تحدثت بوضوح عن مقاربة انعطافية في المشهد والعلاقة التي تعتزم أميركا رسمها في المرحلة الراهنة.‏

ما يجزم بهذه المسائل كحزمة واحدة لا تقبل التجزئة أن الأميركي اليوم في النظرة إلى المشيخات لم يعد هو ذاته، وما قاله الرئيس أوباما عن الخطر الحقيقي الذي يهدّد تلك المشيخات لم يكن من باب المداعبة ولا هو في إطار تسجيل النقاط، بل يعكس مقاربة أميركية صريحة عن الحال الذي وصلت إليه والذي يشكّل عبئاً على السياسة الأميركية، التي لم تعد تحتمل أن يُسجَل في لوائحها الدبلوماسية التحالف معها، خصوصاً أن عيوبها المسكوت عنها كل هذا الزمن عصية على الإصلاح.‏

وهنا قد تكون النقطة الأخطر التي يتجنّب الخليجيون الإشارة إليها أو حتى التفكير فيما بينهم حول مغزاها ودلالاتها وما قد تعنيه، والإدارة الأميركية تدرك أن رسالتها سواء كانت للملك أو لوَليّه ووَليّ وليّه، وحتى إن وصلت إلى أدنى منهما مرتبة سيكون لها نفس التأثير والوقع، وهي واجبة التنفيذ، ومن دون نقاش أو اعتراض ولازمة ستحتفظ بها السياسة الأميركية في تعاطيها مع المشيخات لاحقاً.‏

والأهم قد يكون في سياق الترتيب الأميركي للعلاقة مع المنطقة والعالم، حيث لم تكن زيارة جون كيري غير الملحوظة في جدول اللقاءات الرسمية مع الروسي خارج اعتبارات إعادة ترتيب تلك العلاقة، بدليل أن الحديث الأميركي عن بعض مقارباته يحمل في مؤشراته اتجاهاً نحو تلزيم إجباري لخطوط العودة إلى الدبلوماسية المقطوعة مع روسيا، وستليها بعد قمة كامب ديفيد العودة للصين على المنحى ذاته.‏

الخليجيون من جانبهم يحملون في حقائبهم كما هي العادة عقود تسليح كان قد سال اللعاب الغربي والفرنسي تحديداً منها قبل أن تصل واشنطن، ويراهنون عليها للضغط على الإدارة الأميركية عبر تسريبها إلى لوبيات شركات السلاح مسبقاً، وبدأت أصواتها بقصف تمهيدي لا تخفي فيها خشيتها مما تسميه «جلافة» الطاقم المحيط بالرئيس أوباما، رغم أن أوباما وشركاته متفقون من حيث المبدأ على النتيجة بعد أن ضخّت لوبيات الإعلام الأميركي مجموعة من فوبيا المخاطر الافتراضية المسبقة، التي دفعت بالمشيخات إلى مضاعفة طلبات التسليح وبعضها قد يكون قد أقدم على صفقة القرن.‏

بهذه المقارنة تصبح مسألة الحَرَد الخليجي أحجية محاطة بكثير من الألغاز الموازية لها، وفرضية تواجهها الكثير من حالات الشكّ والريبة، مقابل وضوح في منحى التوجه الأميركي الذي يدرك مسبقاً بأنه لا يحتاج إلى كل هذه «الفوبيا» كي يأتي إليه حكّام المشيخات صاغرين، ولا إلى كل هذا التخويف غرباً وشرقاً حتى ينفّذوا ما يُطلب منهم.‏

لكنه كان خياراً أميركياً لم يكن العقل الهوليوودي خارجه ولا منطق السطوة بعيداً عنه، بل في صلبه، ومسرحية الحَرَد جزءاً منه أو سيناريو ملحق به له فصوله الخاصة وطريقة الإخراج التي مهّدت لظهوره، والتي قد نشهد جزءاً منها بعد انفضاض الجمع في كامب ديفيد، وتحديداً لدى من اصطنع حالة الحَرَد أو اعتقد للحظة أن بمقدوره أن يؤدّي دور الكومبارس فيهامن دون إذن أميركي مسبق!!.‏

بقلم: علي قاسم

انظر ايضاً

عبث حافة الهاوية

 لم يكد يُعلن عن الاتفاق الأميركي التركي حتى ظهرت التباينات والتفسيرات والتفسيرات المضادة، التي شهدت …