الشريط الإخباري

من التهوّر التركي إلى الحماقة الأردنية- صحيفة الثورة

بين التهليل التركي والمراوغة الأردنية حول البدء العلني بتدريب الإرهابيين بعد سنوات من الانخراط العملي من دون إعلان، تتضارب الأجندات والحسابات، وصولاً إلى المعادلات التي تحكم سياسة الطرفين في المقاربات الممكنة لتبرير أو لتسويغ ما يصعب على الواقع السياسي والميداني تبريره.

وبين التسليم التركي والتهويل في تبنّي الخيار منذ سنوات خلَت، وبين التحرّج الأردني والنفي والمداورة على الزوايا الحادة التي تحكم قرارها، ثمة مسافة من الفارق السياسي الذي يقتضي في الحدّ الأدنى تبايناً في القراءات، حالها في ذلك حال الواقع الذي يدفع بهما إلى المقارنة بين «فضائل» التهوّر التركي وبين «محاسن» الحماقة الأردنية.‏

فالذريعة التي بررت بها الحكومة الأردنية أسباب تدريبها للإرهابيين لا تقل حماقة عن الفعل ذاته الذي نفته واستبعدته في الماضي، بدليل أن الخيارات الأردنية التي انتهت إلى حيث هي الآن تفتح الباب على مصراعيه أمام هواجس القلق الأردني، في وقت تتبدّل فيه الخيارات وترتسم ظلال من الشك والريبة في حصيلة أربع سنوات ونيّف من العمل الاستخباراتي المغلّف بعناوين تضليلية.‏

الإعلان الأردني لم يكن عفو الخاطر ولا هو في إطار المكاشفة التي يدّعيها، بقدر ما كان نتيجة إفصاح أميركي مسبق وضع الأردن أمام المساءلة الصعبة، وهي التي ما فتئت تنفي مراراً وتكراراً، ولا تتردد في توجيه الاتهام إلى كل من يؤشر إلى الممارسات الأردنية في هذا السياق.‏

ما هو ثابت أن الفعل الأردني يتماشى مع الموجة الأميركية الجديدة ومعاييرها في المزاوجة بين سياسة دعم الإرهاب المباشر وبين إسناد أدوار وظيفية لوكلائها في المنطقة، وهو ما ينسحب على الجميع بما فيهم السعودي والقطَري في مرحلة لاحقة.. بعد أن باشرت مع الأردني والتركي، وهذا الأمر لا تستطيع الأردن ولا غيرها نفيه أو تجاهل مرتسماته على الأرض.‏

اللافت في المسألة أن التفاصيل الملحقة بالإعلان لا تقتصر على التبرير والتذرّع، ولا على محاولة تدوير الزوايا لتكييس وجه التورّط الأردني، بل تبعه أو لحق به تعديل للتسميات واختلاف في التوصيف لا يقل في محتواه عمّا فعلت الأردن على مدى السنوات الماضية تدعي أنها تدرب أبناء العشائر فيما أميركا تتحدث عن معتدليها من الإرهابيين الذين اختارتهم تبعاً لمعاييرها.‏

نحن لا نصدق أميركا.. ولم نصدقها يوماً.. ولسنا بوارد فعل ذلك، ولكن ماذا عن الأردن وحكومتها ومسؤوليها الذين تنطحوا مراراً للنفي.. وهل لهم ألا يصدقوها.. وهل لهم أن يتجرؤا على تكذيبها، وماذا عن المارينز الأميركي الذي يجول على طول الحدود السورية – الأردنية؟!‏

لا داعي للعودة إلى الأسطر الأولى التي خطّها الدور الأردني وما سبقها من هوامش مبكّرة على صفحات مغرقة في دونية المهمة الوظيفية التي أُوكلت في العادة للأردن على مدى عقود خلَت، بدءاً من محاكاة الرغبة الإسرائيلية حين كان يتحرّج الجميع من أي إسقاط علني لحضورها على المشهد السياسي، وليس انتهاء بنقل أوراق اعتماده إلى الحضن الأميركي وثناء الرئيس أوباما وما أفرزه من إضافات على الدور الذي تصاعد منذ الغزو العراقي للكويت، حين تحدث الأميركي عن الدور المستقبلي للأردن في رقعة المصالح الأميركية.‏

ولا ضرورة للتذكير بكثير من القرائن والشواهد على انغماس أردني في مقاربات أغرقت المنطقة في تبعات أخطر بكثير مما بان حتى الآن وأشدّ كارثية مما تَوضّح، خصوصاً في ظل استباحة للمحظورات واستبعاد للخطوط الحمر من قائمة الممنوعات، والتي تقابلها على الضفة التركية حالة من الهذيان السياسي الممزوج بكثير من الغطرسة.. والممهورة بتهوّر توثّقه المعطيات، وتؤكده مجريات الأحداث وتطورها وليس آخرها ما قام به رئيس حكومة أردوغان وهو يسير على دروب إرهابيه ويمتطي صهوة طريقهم مرتدياً لبوسهم من دون حرج..!!‏

لكن قد يكون من باب التوثيق السياسي والإعلامي أن يتم لفت الانتباه إلى منزلقات ليست في الحسبان، وحينها لا تنفع الضمانات الأميركية ولا تفيد الوعود الإسرائيلية، وتفقد معها مسوّغات حضورها، وتختفي من قائمة الذرائع المبررات التي يسوّقها الأردن وغيره بما في ذلك تلك التي تراهن على أوهام ثبت بالدليل القاطع فشلها.‏

الرهان على عامل الإرهاب والتعويل على المرتزقة كخيار في لعبة الخراب والدمار الأميركية على مساحة المنطقة، تتحول الأدوات والبيادق إلى وقود احتياطي للنار المتنقلة يصبح بمثابة أحجية رغم ما يدركه الأردنيون قبل غيرهم بأنه لن يكتفي بإشعال الحرائق، بل في أغلب الأحيان يكون جسر عبور لتحترق أصابع من يلعب بناره، وحتماً من دون أن ينتظر حتى يتغيّر المشهد أو تتبدّل رياح السياسة والمصالح والأطماع.‏

بقلم: علي قاسم

انظر ايضاً

عبث حافة الهاوية

 لم يكد يُعلن عن الاتفاق الأميركي التركي حتى ظهرت التباينات والتفسيرات والتفسيرات المضادة، التي شهدت …