الشريط الإخباري

حين «يغتسل» الكذب بشهوة العدوان-صحيفة الثورة

لم تعد لغة الكذب تختلق فبركاتها من سياق التمنيات فقط، بل تحولت في الجزء الأكبر منها إلى منهج وأسلوب يتخطى قواعد المنطق المعمول به، وتحولت بالتراكم الكمي والنوعي إلى مسار يحدد الهوية والاتجاه، ولا يتردد في إملاء ضوابطه انطلاقاً من الأوهام التي اقتضتها تلك اللغة وما لحق بها.

وتحت ضغط اللهاث المتواصل منذ أسابيع، تحولت تلك اللغة إلى سياق يُنتج تحت عناوينه الأساسية ما يعجز العقل عن تخيله، خصوصاً حين يرتبط أو يتوازى بضخ سياسي وإعلامي يكاد لا يتوقف، وسط سيل من الأكاذيب الملحقة، التي تبني افتراضاتها على ما تُروّج له قنوات السياسة والدبلوماسية والإعلام.‏

وسط هذا المزاج المخيم تتواصل الشائعات كجزء من منظومة منسقة، يتم التعاطي معها على أساس المعايرة الذاتية لتلك الحسابات والمعادلات التي جاءت تحت ضغط الانزياح في الكثير من تلك التمنيات، وانقلاب أغلبيتها إلى أوهام تحاكي الواقع القائم من منظور أن اندثار تلك الأحلام التي رسمتها صيغ من التراجيديا الاستخباراتية داخل الغرف المغلقة، لا بد أن يتم تعويضه بجملة من الأكاذيب والفبركات، التي بدأت بالتبلور مع تصاعد في حدة الأعمال الإرهابية وتسخين مختلف الجبهات والمحاور الممكنة.‏

لا أحد ينكر أن ثمة موجة وربما سيلاً عاصفاً من تلك الأكاذيب التي راجت على شكل مقولات تحركت معها، وبالتوازي أحاديث عن خرائط جديدة سيتم تحبير إحداثياتها وفق منطوق تلك الأكاذيب، حيث تسري في مستويات مختلفة تسريبات متناقضة ومشبوهة عن تسلسل زمني يفضي في نهاية المطاف إلى تحديد الأولويات التي تتقاطع مع أحاديث غامضة حيناً، وموثقة حيناً آخر، عن مداولات الغرف المغلقة في الجوار السوري وفي تموضعات أبعد من ذلك الجوار أو خارج المنطقة.‏

الأدهى أن يتساوى في الكذب، السياسي الأميركي مع الإعلامي النفطي.. والوكيل مع الأصيل.. والمرتزق الصغير مع الملهم الكبير، حيث المشهد يعيد إلى الذهن الأسابيع الأولى للأحداث في سورية، بالاعتماد على بعض الشواهد الخادعة من هنا أو هناك، والتي تم بناء الجزء الأكبر منها داخل تلك الغرف، وتحاكي في الواقع العملي صيغ التمنيات المتداولة.‏

وهو ما يتقاطع مع صيغ ترويجية لما يجري في المشهد السياسي من افتراضات أيضاً تدخل تحت العنوان ذاته، وراجت معها على المستوى نفسه مجموعة من المقولات السطحية، التي تتحدث عن فجوات أو انكفاء في حدود التنسيق السياسي بين محاور العمل في المنطقة، مبنية على ظواهر آنية خرجت في بعض الأحيان من بين صفوف المشهد الإقليمي، كجزء من منظومة الأكاذيب التي تعدت الوقائع الحالية، لتسطر تخميناتها وتوقعاتها للمرحلة المقبلة، من دون أن تنسى تجييرها لمصلحة التمنيات المتهالكة التي تعرضت لانتكاسة حقيقية بعد التطورات الأخيرة.‏

اللافت وسط هذا الركام من المقولات والمصطلحات والمفاهيم العائمة وغير المحددة بزمان أو مكان سلسلة من التكهنات بحدوث انقلابات في المواقف وربما في التحالفات، وهنا لا نحتاج إلى وقت طويل حتى نتبين الخيط الأبيض من الأسود وسط متاهة من التباينات الحادة التي تجعل أي حديث غير مرفق بأدلة وقرائن مجرد نفخ في قربة الأكاذيب المنسية.‏

وحتى تستطيع السياسة أن تنفذ من الأكاذيب الملحقة بها، أو أن تتخلص مما علق خلال الأيام الماضية، باتت الحاجة ملحة إلى إعادة رسم الترددات بناء على إيقاع التصورات العملية لمنهج الحديث عن التموضعات الجديدة في المنطقة، والتي نتجت عن تعديل المسارات وإباحة المحظورات وتغيير قواعد الاشتباك السياسي والعسكري، وما تجرّه خلفها من رواج غير مسبوق للإشاعات الملحقة والتي تقتضي مواجهتها ليس بالإعلام فقط، بل بالسياسة أيضاً والميدان.‏

وهنا كلمة الفصل التي اعتاد السوريون أن يحيلوا إليها ما تراكم، وأن يحبطوا عبرها ما قد يأتي لاحقاً، خصوصاً في ظرف مواجهة يصل ذروته، وإن حاول الكذب أن يغتسل بشهوة العدوان المفتوحة على مصراعيها، أو أن ينتشي لتعويض انكسارات لا تزال عصية حتى اللحظة على الهضم الغربي والأميركي، وتحولت إلى غصة مؤرقة على المستوى الإقليمي بامتدادات تحالفاته.‏

بقلم: علي قاسم

انظر ايضاً

عبث حافة الهاوية

 لم يكد يُعلن عن الاتفاق الأميركي التركي حتى ظهرت التباينات والتفسيرات والتفسيرات المضادة، التي شهدت …