موسكو .. الحراك حيث عجَز الآخرون-صحيفة الثورة

لم يكن من العبث أن تصرّ روسيا على المضي قدما في جهودها، رغم الكثير من التأويلات وربما صيغ التشكيك في الجدوى وحتى التوقيت، في وقت كانت دبلوماسيتها تدرك – من باب اليقين المدعّم بالأدلة والقرائن- أن تحريك المياه الراكدة يحتاج دائماً إلى إرادة تتوافر فيها عوامل الجدية والقناعة القادرة على إسقاط الذرائع المسبقة، والبدء من نقاط التوافق التي تمليها تطورات المشهد الإقليمي والدولي على حد سواء.‏

ورغم أن القاعدة المعمول بها على مدى السنوات التي خلت، والمعتمدة على تجارب تراكمت كانت تميل إلى الأخذ بالمحاذير التي رافقتها، فإن موسكو كانت تراهن على عوامل ومعطيات وركائز وقد تكون ثوابت في الدبلوماسية لم تتوافر لدى اللاعبين الدوليين الآخرين، وربما لم يرغبوا في العمل بمقتضاها حتى لو حضرت في سياق التداعيات.‏

وفق هذه المحددات لم يكن مفاجئاً أن تظهر الخلافات بين الشخصيات المعارضة المشاركة في لقاء موسكو التشاوري بنسخته الثانية، وأن تأخذ شكلاً من أشكال الجدل على خلفية الاصطفاف السياسي الذي يحكم مواقف تلك الشخصيات، ووفقاً لمعطيات الأدوار التي تحاول بعضها أن تضيفها إلى مواقعها في اللحظة الراهنة.‏

لكن هذا الجدل يتجاوز حدود الخلاف حين يتخطى في بعض تفاصيله محددات الحوار، ويصبح موضع تساؤل مشروع وربما تشكيك حين يتحول غاية في حد ذاته، أو أن يكون وسيلة وطريقاً للحيلولة أو لتأخير الاتفاق على جدول أعمال واضح للقاء التشاروي، خصوصاً عندما يترافق ببعض الانزلاقات السياسية التي تحاول أن تعيد الأمور إلى ما قبل المربع الأول.‏

فالواضح أن التطورات المتسارعة في الاتجاهات المختلفة لم تعد تتسع لجدل لا معنى له، وأن مزاج المناخ الدولي لم يعد يحتمل مثل هذا التأرجح في المواقف، الذي يعكس إلى حد بعيد صيغاً واضحة من المحاولات الموهومة لتنفيذ أدوار داخل اللقاء، هدفها الحيلولة دون أن يصل إلى عتبة إطلاق الحوار السوري – السوري.‏

وإذا كانت المعايير السياسية تفرض إيقاعها على المشهد بعموميته، فإن المداورة على سطح التموجات المرافقة يطرح إشكالية التمترس الذي تمارسه بعض تلك الشخصيات، على خلفية دوافع الحضور وأسباب المشاركة، في وقت بدت فيه المعايير متبدلة وأوجه المجادلة غير مقنعة، وهي تكاد تتناقض حتى مع الأهداف والمبررات التي رفعتها حين توافقت على حضور اللقاء.‏

المحسوم أن الجهد الروسي تحرك باتجاه محاور ومحطات لاحقة، قد لا تؤثر فيها تلك المشادات ولا لغة الاختلاف والخلاف التي تتمترس خلفها تلك المواقف، بحكم أن القطار الروسي لم يعد رهناً بجزئيات ذلك الخلاف، ولا وقفاً على معاييره بقدر، ما تحكمه إرادة سياسية ترجمتها صيغ العمل الذي يدفع إلى الجزم بأن المواقف الغربية المتابعة للقاء ستجد نفسها مضطرة لمواكبة تطوراته وما يلحق بها من مخرجات ستفرض إيقاعها وضوابطها الذاتية والموضوعية على أي تداول لاحق.‏

والمحسوم أكثر من هذا وذاك أن افتعال الخلاف على الأولويات لم يعد يمتلك الحد الأدنى من المشروعية، خصوصاً بعد ان تحول الإرهاب إلى مسلمة واضحة حتى في الخطاب الغربي، وإن انطوى على القدر ذاته من النفاق في المقاربات التي يقدمها حول طريقة مواجهته، والذي يتردد صداه حتى اللحظة لدى جزء من تلك الأصوات وإن كان بشكل مشوّه ومكشوف وربما فاضح.‏

الأهم أن التحرك الروسي اليوم يسجل نقاطه الإيجابية في الموضع الذي فشل فيه الآخرون، وأن دبلوماسية المبادئ التي اعتمدتها في كل مقارباتها تسجل نجاحاً في النقاط التي أقر فيها اللاعبون الآخرون بفشلهم وربما خيبتهم، والأمر ذاته ينسحب على الذين راهنوا على موقعهم كرجع صدى لتلك المواقف، أو عولوا على كونهم صوتاً لغير السوريين، وبعضهم لا يزال ينطق بلسان غيره حتى إشعار آخر..!!‏

بقلم: علي قاسم

انظر ايضاً

عبث حافة الهاوية

 لم يكد يُعلن عن الاتفاق الأميركي التركي حتى ظهرت التباينات والتفسيرات والتفسيرات المضادة، التي شهدت …