(الكيميائي السوري) و(البيولوجي الأمريكي)..بقلم: طلال ياسر الزعبي

لا شك أن هناك إصراراً أمريكياً غربياً واضحاً على جعل الملف الكيميائي السوري حاضراً دائماً على طاولة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وخاصة من الرباعي الشهير الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، الذي يعمد دائماً إلى تحريك هذا الملف كلما شعر بأن الوضع في سورية بدأ بالتحسن بمعزل عن الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري.

التقرير الأخير الذي أصدره ما يسمى فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة الحظر حول حادثة دوما المزعومة، رفضته سورية جملة وتفصيلاً، وقررت عدم الاعتراف به الآن أو مستقبلاً، مؤكدة أنه أهمل الملاحظات الموضوعية التي تمت إثارتها من دول أطراف وخبراء وأكاديميين وتقارير إعلامية موثقة ومفتشين سابقين من المنظمة، مشهود لهم بالخبرة والمعرفة، فضلاً عن شهادات أهالي دوما أنفسهم الذين أكدوا أن الحادثة مفبركة بالكامل، وأنه لم تكن هناك إصابات في صفوف المواطنين أو الطاقم الطبي في ذلك اليوم.

وهناك أطراف دولية شددت أن التقرير جاء ليثبت أن المنظمة فقدت مصداقيتها، وخاصة أنه حاول الربط بين سورية والأطراف الدولية التي رفضت اتهامها بذلك منذ البداية، حيث عدت الخارجية الروسية ذلك دليلاً آخر على الطابع المسيس والمأجور له، مؤكدة أن الهدف منه هو تبرير العدوان الثلاثي الغربي على سورية، والضربة الصاروخية واسعة النطاق للمواقع المدنية والعسكرية السورية، في انتهاك للأعراف والمبادئ الأساسية للقانون الدولي، وهي المهمة التي لم يتمكن الفريق من تحقيقها.

وفي وقت أكدت الخارجية الروسية أن روسيا وعدداً من الدول الأخرى قدمت لفريق التحقيق جميع المواد التي تؤكد الطابع المفبرك للحادثة الكيميائية في دوما، لم يأخذ هذا الفريق بها، لأن عمله كان منصباً فقط على إدانة سورية بأي شكل من الأشكال وابتزاز الأطراف الأخرى المدافعة عنها.

ولكن اللافت في التقرير بالفعل أنه جاء بالتزامن مع ضغط روسي واضح في الأمم المتحدة لمناقشة الانتهاكات الأمريكية لاتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية والسمية، عبر مشروع قرار قدمه المندوب الروسي الدائم في مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا يهدف إلى تشكيل لجنة للتحقيق في الاتهامات الموجّهة لواشنطن وكييف بإطلاق المختبرات البيولوجية في أوكرانيا.

ولا شك أن الأدلّة التي قدّمتها روسيا لأعضاء مجلس الأمن حول تورّط البنتاغون بتطوير أسلحة جرثومية في مختبراته المنتشرة على الأراضي الأوكرانية، كان لها وقع صاعق على الولايات المتحدة وحلفائها الذين أدركوا أن الكنز الذي حصل عليه الجانب الروسي في هذا الشأن لا يقدّر بثمن، إذ استطاعت موسكو أن تحدّد طبيعة الأبحاث التي كانت تجري على العسكريين والمدنيين الأوكرانيين قبل توجيه الفيروسات إلى الدول المستهدفة ابتداء من روسيا طبعاً، الأمر الذي دق ناقوس الخطر في العواصم الأوروبية المتاخمة جغرافياً لأوكرانيا وجعلها تفكّر جدّيّاً في حجم الخطر الذي يحدق بها، فضلاً عن إمكانية تورّط بعض العواصم الغربية في هذا الأمر، وخاصة باريس ولندن وبرلين.

وإذا ما أضفنا أن فضيحة المختبرات البيولوجية الأمريكية تتعلّق مباشرة بنجل الرئيس الأمريكي جو بايدن هانتر الذي أشرف على عمل هذه المختبرات مباشرة، فهذا ربّما يفسّر إصرار الإدارة الأمريكية الحالية على ابتزاز روسيا بأيّ طريقة لدفعها إلى صرف النظر عن نشر الوثائق التي حصلت عليها في هذا الجانب، وخاصة أنها تقوم بين الفينة والأخرى بفضح حقيقة الأمراض التي انتشرت في العالم في الفترة السابقة وعلاقتها المباشرة بالمختبرات الأمريكية.

ومن هنا، فإن محاولة ما يسمى فريق التحقيق وتحديد الهوية حشر روسيا في الملف الكيميائي السوري، إنما هي في حقيقتها محاولة رخيصة لمقايضة الملف الكيميائي السوري المزعوم والمثبتة فبركته بالملف البيولوجي الأمريكي المفضوح والمثبتة صحته في آن معاً، وهي محاولة تكشف أن اهتمامات الغرب لا علاقة لها بحقيقة استخدام أي سلاح كيميائي، بقدر ما تتعلّق بالاحتفاظ بالقدرة على ممارسة الابتزازات والضغوط تجاه كل من يرفض الخضوع للسياسات الأمريكية والغربية في المنطقة والعالم.

انظر ايضاً

الزلزال فضح ما خبّأته واشنطن..بقلم: طلال ياسر الزعبي

لم تكن الإدارة الأمريكية تتوقّع أن تنتهي سياساتها العدوانية التي طوّرتها، منذ عام 2011، تجاه …