الشريط الإخباري

الرؤوس الحامية واجتماعات الجمعية.. بقلم: أحمد ضوا

تشهد أروقة الأمم المتحدة على هامش الاجتماع السابع والسبعين للجمعية العامة لقاءات مكثفة بين ممثلي الدول حول التعاون الثنائي والقضايا الساخنة على الساحة الدولية على أمل أن تحل لغة السلام والمصالح المشتركة محل لغة الحروب والهيمنة والإملاءات والتدخلات الخارجية في شؤون الدول الأخرى.

إن السياق التاريخي لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوي لا يوفر عوامل الاطمئنان والأمل برجحان كفة التعاون الدولي وخاصة أن الدول الغربية توظف مثل هذه الاجتماعات للاطلاع على رؤى وسياسات الدول الأخرى والتجمعات الإقليمية وتبني سياستها القائمة على الإرث الاستعماري والتدخل في شؤون الشعوب على أساس ذلك وليس لتعديل سياساتها بما يتوافق وغالبية مطالب دول العالم.

يرى العديد من المحللين أن اجتماع الجمعية هذا العام يشكل فرصة للقوى العالمية لوقف التدهور واحتدام الصراع على خلفية تعنت الولايات المتحدة والاحتفاظ بهيمنتها على القرار الدولي في مواجهة واقع جديد لا يمكن إيقاف مسيرته ويتمثل بولادة نظام عالمي جديد قائم على تعدد الأقطاب يشكل أملاً للكثير من الدول والقوى ويعكس في نفس الوقت حقيقة التغييرات في واقع وحركة الاقتصاد العالمي وظهور تكتلات جديدة لها دور كبير على المستوى العالمي.

إن التكتلات الكبرى وخاصة الدول الغربية تقع عليها المسؤولية في تجنيب العالم المزيد من الحروب والصراعات والاعتراف بحقوق وقدرات الدول المنافسة لها والإنصات للعالم الذي لم يعد قادراً على تحمل أعباء السياسة الغربية القائمة على الضغوط والعقوبات والإملاءات وسياسة المعايير المزدوجة.

في هذا السياق تتحمل الولايات المتحدة التي تقود وتحرك حلف شمال الأطلسي وفق ما يخدم استمرار هيمنتها العالمية التي تتآكل يوماً بعد آخر المسؤولية الأكبر عن وصول حالة الانحدار في العلاقات الدولية وخاصة بين الدول الكبرى إلى حالة الصدام الواسع المهدد للبشرية جمعاء.

حتى اليوم لا يوجد ما يطمئن بأن أصحاب الرؤوس الحامية في واشنطن ولندن سيتوقفون عن الدفع بانتقال الحرب بالوكالة مع روسيا الاتحادية على الساحة الأوكرانية إلى المواجهة المباشرة وكذلك استفزاز الصين فيما يتعلق بتايوان وبحر الصين الجنوبي ويجزم بعض صناع السياسة الغربيين السابقين بأن الدول الغربية التي تجاهلت الأضرار الجسيمة التي لحقت بشعوبها جراء حزم العقوبات على روسيا الاتحادية لن تهتم بأي أضرار قد تصيب الشعوب الأخرى وأنها ماضية بسياساتها التصعيدية مع موسكو وبكين وتخيرهما بين قبول شروطها لقيادة العالم في المرحلة المقبلة أو حسم ذلك عبر القوة العسكرية.

إن دول العالم الأخرى وخاصة تلك التي تدور في الفلك الغربي معنية وتقع عليها مسؤولية في حماية العالم من الجشع الغربي بالتعبير عن رفضها لهذه السياسة وتحمل مسؤولياتها في مقاومة الضغوط الغربية بالحدود التي تكفي إلى دفع الدول الغربية إلى إعادة التفكير بخياراتها والأخذ بعين الاعتبار مصالح الآخرين وعدم ربط مستقبل العالم بمصير الهيمنة الأميركية التي ستزول كما زالت هيمنة الإمبراطوريات الأخرى وخاصة التي كانت لا تغيب عنها الشمس.

من الملاحظ أن الدبلوماسية الروسية تنشط بشكل واسع على هامش اجتماعات الجمعية وجدول أعمال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف متخم باللقاءات الثنائية والجماعية وهذا من شأنه أن يؤدي إلى الحد من احتدام الصراع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي ولكنه غير كاف لمنع الحرب إلا إذا توقف الناتو عن توظيف أوكرانيا في استنزاف روسيا.

على المستوى العربي يبدو المشهد ضبابياً فجميع المسؤولين العرب يؤكدون على ضرورة تعزيز التعاون العربي لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية ولكن على أرض الواقع هناك الكثير من الدول لا تملك زمام المبادرة لتحويل هذا التمني إلى فعل حقيقي وهذا يراكم المشكلات والانقسامات التي يتم توظيفها من قبل الدول الغربية الطامعة في تحقيق مصالحها ومصالح كيان العدو الصهيوني على حساب مستقبل العرب وحقوقهم.