الشريط الإخباري

المؤرخ محمد قجة.. موسوعة حلب الأدبية والتاريخية ومنهج للمعرفة الإنسانية

حلب-سانا

نهل الباحث والأديب محمد قجة من مختلف صنوف العلوم الإنسانية وحياته غزيرة وزاخرة بالثراء العملي والمهني ولحضوره الثقافي السوري مكانة مهمة حتى لقب بـ (موسوعة حلب التاريخية والأدبية).

أصدر ابن مدينة حلب ما يقارب الـ 20 كتاباً وشارك في كتابة عشرين كتاباً آخر وفي رصيده نحو 300 محاضرة ألقاها في سورية والوطن العربي وعمل في مجالات عدة كالتربية والثقافة والتراث وشغل مناصب عدة في العديد من الجمعيات والمجالس واللجان والاتحادات.

وللوقوف عند أبرز محطات قجة كان لـ سانا لقاء معه حيث أوضح أنه ولد في أسرة ثقافية وكان لوالده مجموعة من الكتب والمخطوطات التي ورثها عن أبيه وجده وتفتحت عيناه على كتب قيمة اطلع عليها وكان ديوان المتنبي صديقه الأول الذي وجد في قراءته متاعا عظيما ونتيجة لذلك تشكل لديه البعد الثقافي وحرص على شراء واقتناء الكتب حتى امتلك مكتبة تتضمن حالياً 13 ألف كتاب.

وحصل قجة على إجازة في الأدب العربي من جامعة دمشق وكونه من المهتمين بقراءة التاريخ ومن متذوقي طرقه ومقدري فوائده ومزاياه تابع الدراسة في الجزائر دراسات عليا في تأريخ الأندلس وبلاد الشام مبيناً أن أكثر كتاباته ومقالاته في الصحف ومؤلفاته من كتب اتجهت وفق محورين أساسيين الأول الكتابة في الدراسات الأدبية النقدية والثاني الكتابة في الدراسات التاريخية المتصلة بالتاريخ الإسلامي.

ومن أهم الكتب التي ألفها (معارك خالدة في التاريخ، الكتاب الذهبي لتوثيق فعالية حلب عاصمة الثقافة، فلسفة العمارة الإسلامية حلب نموذجاً، الحياة الفكرية في البلاط الحمداني، الحياة الفكرية في العصر الأيوبي، محطات أندلسية، حلب على صفحات التاريخ، حلب في نصف قرن، حلب في مقالاتي وقصائدي، قلعة حلب صوت من التاريخ، المدن العربية الكوسموبوليتية، موسوعة حلب في عيون الشعراء).

وأهم أعماله قيد الطباعة وفق تعبيره هي (دمشق في عيون الشعراء وأعلام معاصرون وأعلام من التاريخ العربي والتصوف والتراث الموسيقي).

ولفت قجة إلى أن ما يصنع التاريخ هو الحركة العقلية ولكن لا بد من عواطف ومحبة ترفد هذه الحركة وتسيرها في هذا الخط العقلاني الذي اتجه فيه وإذا كان يتخيل أن يعيش في عصر من العصور التاريخية فإنه سيعيش في عصر قرطبة الأندلسية أيام عظمتها حينما كانت عاصمة الفكر والثقافة في العالم وكانت من خلال اللغة العربية تقدم أسس التنوير الذي قام عليه عصر النهضة وحفل بجو من التسامح وقبول الآخر وعدم التعصب لأي فكرة.

وعن دور جمعية العاديات الثقافي في حياته قال “كنت عضواً فيها منذ خمسين عاما وتوليت رئاستها عام 1994 وخلال هذه الفترة التي استمرت 25 عاماً استطعت أن أرفد مكتبتها بأكثر من 15 ألف عنوان بينما كانت تتضمن 200  كتاب فقط إضافة إلى مئات الأشرطة المسجلة وأشرطة الفيديو وآلاف الصور والوثائق”.

كما تم إصدار مجلة العاديات الفصلية وكتاب فصلي بالتعاون مع جامعة حلب اسمه (عاديات حلب) يتضمن الأبحاث والمحاضرات الأثرية والتاريخية والتراثية ناهيك عن إقامة المحاضرات والندوات الأسبوعية ورفع عدد فروع الجمعية من فرعين حتى 15 فرعاً وإقامة الرحلات إلى المناطق الأثرية في سورية ورحلات دولية وإقامة الحفلات الموسيقية مبيناً أن سبب نجاح الجمعية اهتمامها بالجانب الثقافي المعرفي والعمل فيها يتسم بشكل ديمقراطي-تطوعي.

وعن حصة مدينة حلب في مؤلفاته قال “إن أسرتي في حلب منذ 600 عام وبيتنا العربي القديم عمره 330 عاماً وعليه كتابة 1110 للهجرة وجدي الخامس اسمه مثل اسمي محمد قجة تزعم ثورة اجتماعية ضد الوالي العثماني خورشيد باشا الذي كانت له مظالم كثيرة في مدينة حلب لذلك أنا متجذر في مدينة حلب التي ولدت مع التاريخ فحلب عمرها 12 ألف سنة قبل الميلاد”.

وتابع “وهنا أتحدث دون عواطف بل بمنهجية، الجميع يقولون لماذا حلب؟ ببساطة لأنها تضم جميع المعايير ولعبت أهم دور ثقافي في بلاط سيف الدولة وأقول إن العمارة في حلب مثلت كل العصور الإسلامية من عصر الخلفاء الراشدين وصولاً إلى جامع الشعبية في باب أنطاكية مروراً بكل العصور” موضحاً أن كل عصر له لونه وتراثه وحضارته.

وعن اختيار حلب عاصمة للثقافة الإسلامية أوضح أنه في عام 2006 قررت المنظمة الإسلامية للثقافة والعلوم اختيار مدن سمتها عواصم الثقافة الإسلامية وذلك رداً على ظاهرة (الإسلام فوبيا) التي انتشرت في الإعلام الغربي وكانت أولى مدينة تم اختيارها عام 2005 مكة المكرمة ثم وضع فيما بعد معايير للاختيار فكانت حلب أول من تمثلت بهذه المعايير واشتملت على كل المعايير الإسلامية التي تمثل كل العصور من العصر الراشدي حتى اليوم إلى جانب دورها الاقتصادي الحاسم في التاريخ كمحطة رئيسية على طريق الحرير الدولي ثم حجمها الثقافي الهائل وخاصة في بلاط سيف الدولة الحمداني.

وأشار إلى أن مدينة حلب مر عليها 30 حضارة وتعرضت لغزوات عدة وكانت دائما تنهض من تحت الرماد وبهذا تم اختيارها وبيروت والإسكندرية من منظمة اليونيسكو وسمتها المدن الكوسموبوليتية أي التي فيها تعدد عرقي وديني وثقافي.

وبين أن أبرز الأعمال التي نتجت عن احتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية بعد تكليفه مديراً للأمانة العامة للاحتفالية كانت (طباعة 134 كتاباً جديداً وإعادة طبع 30 كتاباً وتنظيم 27 ندوة دولية و26 محلية وتنظيم أكثر من 300 محاضرة و 100 معرض و100 حفلة ومهرجانات واستعراضات وترميم بعض المباني الأثرية كمتحف ذاكرة مدينة ومتحف المتنبي وتوثيق الاحتفالية طباعة وصوتا وصورة إلكترونية والتعريف بحلب والاحتفالية من خلال عشرات المحاضرات خارج سورية وإصدار الكتاب الذهبي).

وعن صناعة التاريخ أكد قجة أن التاريخ يصنعه الإنسان ولا بد أن نوجد الأسباب الموضوعية لكي يحدث حدث ما موضحاً أهمية إعادة قراءته لاستمرار الذاكرة الشعبية لأن الأمم بلا ذاكرة لا وجود لها مبينا أن لكل أمة علماءها وهؤلاء يمكن دراسة أعمالهم بمنهجية علمية مستنيرة بالإضافة إلى أن دراسة أعمال هؤلاء العظماء يمكن الاستفادة منها في المرحلة الحالية فمثلاً حينما ندرس معركة حطين نستفيد منها في قراءة الظروف الحالية التي تمكننا من تحرير فلسطين فيما بعد كما جرى في تحرير بيت المقدس أيام صلاح الدين الأيوبي.

ووجه قجة رسالة للشباب السوري قائلاً “الشباب اليوم يطلقون على أنفسهم جيل الإنترنت فالتطور يفرض نفسه ويجب أن نوجه البيئة الثقافية بما يخدم هذا التوجه العالمي وألا ينقطع هذا الجيل عن التراث فالإنسان لا يولد معلقاً في غصن شجرة بل يولد مع جذور الشجرة فهي تاريخنا وتراثنا وهناك محاولة خبيثة منظمة وممولة لقطعنا عن جذورنا والشباب السوري أبناء أمة قدمت الكثير للبشرية وعليهم أن يتابعوا هذا المسير ويقدموا للبشرية ما يمكن أن يكون له فائدة”.

وأوضح أن التاريخ موجود والعدو يريد أن يلغينا من الوجود وهناك من يريد إخراج العرب من التاريخ وتحويلهم إلى مجموعة بشرية تجتر حياتها اليومية ولذلك علينا أن نكون واعين لهذا الأمر وهذه الأجيال سيكون منها قادة ومفكرون وباحثون وعلماء وهم استمرار لمن سبقهم مبيناً أن الواقع الثقافي في مدينة حلب ما زال بخير فالثقافة عبر قرون لازمت حركة المجتمع والأحداث وتطورها مقرون بذلك.

وفي ختام حديثه لفت قجة إلى أن سورية تعرضت لتجربة مريرة أثرت سلباً على الحركة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ولكن رغم هذه الصعوبات ما زالت صامدة مبيناً أنها بخير لأن النشاط الثقافي لم يتوقف في المراكز الثقافية والجمعيات بالرغم من كل الصعوبات بل استمر وهو جزء من حركة المجتمع فضلاً عن عناية المناهج التربوية والإعلام ووزارة الثقافة في سورية بالتراث المادي واللامادي برؤية علمية مستنيرة تحترم التاريخ.

أسماء خيرو

متابعة أخبار سانا على تلغرام https://t.me/SyrianArabNewsAgenc