الشريط الإخباري

بين الخدمة والتسريح… محطات حياة في ذاكرة صحفي

دمشق-سانا

ست سنوات ونصف السنة بين صفوف أبطال الجيش العربي السوري جمعت الكثير من الصور في ذاكرة عامر ديب الصحفي الذي عشق وطنه وأحب مهنته ولم يتوان عن تلبية نداء الواجب فكان في ميدان الحرب جنديا وعاد إلى ميدان العمل صحفياً يسترجع دروس الحياة ومحطاتها.

بعد صمت مصحوب بنفس عميق استجمع عامر عباراته واستهل حديثه قائلاً: عندما تعرضت سورية للحرب والإرهاب كان لا بد أن تصبح أولوياتنا الوطن الذي لن يحميه إلا أبناؤه … فأمام نداء الوطن تتنحى كل النداءات.. لم أتردد لحظة عن تلبية نداء الوطن وواجب الدفاع عنه لأشارك الجيش العربي السوري نشوة البطولات.

وتابع: كنت مراسلا لوكالة الأنباء العربية السورية سانا وفي عام 2014 كنا نرصد بطولات الجيش العربي السوري الذي كان يسجل الإنجاز في كل لحظة على امتداد أراضي الوطن فكانت اخبار النصر والتحرير ذروة العمل الصحفي في ذلك الحين ولها نكهة مطعمة بالنشوة والفخر.. لذلك عندما تلقيت دعوة الخدمة الاحتياطية في الجيش لم أتردد أبدا أمام تلبية هذا الواجب لأنها الفرصة لأدافع عن الوطن وأشارك أبطال الجيش نشوة الانتصار.

ويستذكر عامر آخر تقرير أعده قبل التحاقه عن تحرير مدينة كسب بريف اللاذقية من رجس الإرهاب على يد أبطال الجيش العربي السوري عام 2014 ليبدأ رحلته في ميدان آخر وتمضي سنوات حملت في طياتها معاني سامية وقيما نبيلة حزم عامر امتعته للالتحاق مجددا بالخدمة العسكرية وهو أب لطفلة عمرها ثمانية أشهر وينتظر مولوده الثاني بإيمان أن واجبه تجاه الوطن هو الطريق إلى واجبه ومسؤولياته تجاه أسرته وعائلته منوهاً بصبر زوجته ودعمها وتحملها مسؤوليات أسرة وطفلين طيلة سنوات خدمته.

ترافق ملامح الشجن وجه عامر وتارة أخرى ملامح الفرح في حديثه عن إحدى المحطات في خدمته فهو لم يبتعد كثيرا عن عمله الصحفي لكن ميدانه هذه المرة كان مع الحرب وفي المعركة مبينا أنه كان يرافق أبطال الجيش على الأرض بسلاح وعتاد وكاميرا ليوثق وينقل صور البطولات والتضحيات على أرض الوطن الغالي.

تجارب ومشاهدات الإقدام والفداء حاضرة في ذاكرة عامر ويروي كيف أوصى أحد رفاق السلاح رفاقه بأبنائه وعائلته قبل دخوله إلى ساحة المعركة التي كانت على تماس مباشر مع الإرهابيين وأصيب على إثرها مستذكرا اللحظات العصيبة التي عقبت ذلك والتخطيط لإدخال سيارة إنقاذه وسط قذائف تتساقط حيث استمرت العملية ساعة من الزمن لا يمكن التعبير فيها عن مشاعر الخوف على رفيقنا إلى أن تم إنقاذه واصفاً تلك اللحظة بالانتصار.

دروس وعبر صقلت شخصية عامر حسب قوله “فالإحساس بالآخرين في أرض المعركة صادق ومجرد من أي مصلحة والإيثار كبير بين الجنود فهم يتسابقون أمام الخطر والموت فهناك من يقول ابتعد أنت لديك عائلة وأولاد أنا سأتقدم وآخر يفدي صديقه بروحه ودمه فهم يتشاركون الحياة والموت”.

وتابع عامر: “هؤلاء الجنود شباب آباء وأزواج وأبناء تركوا عائلاتهم من أبناء وأمهات وزوجات وساروا خلف عقيدة اسمها الوطن واعتقد كوني صحفياً لم تمر هذه المشاهد بشكل عابر بل تركت أثراً كبيراً عندي فكان حسي الصحفي مركزاً على توثيق المشاهد التي عبرت خلال سنوات الخدمة ما جعلني أفهم الحياة بشكل جدي”.

ويستذكر عامر حادثة تشييع أحد رفاقه بالجيش في المشفى العسكري التي تزامنت مع عيد الأم وكان الشهيد وعد والدته أنه سيكون أول من يعايدها ويقرأ لها قصيدة كتبها فكانت الشهادة أسرع.

وأضاف عامر: المشهد الأعظم هو حديث والدته على جثمان الشهيد الطاهر وهنا دموع عامر تسرق منه الحديث ليتابع بعبارات متقطعة ما قالته والدة الشهيد: “لا أريد منك شيئا.. فقط أريد أن تقوم وتقول لي القصيدة التي وعدتني بها وبعدها أرحل شهيداً .. فأنت شهيد وطن أرفع به رأسي” مشيراً إلى أنه كان موقفا مؤثراً دخل في أعماق كل الموجودين وطبعته الذاكرة إلى الآن.

“اطلب الموت توهب لك الحياة” العبارة التي أمضى بها عامر خدمته مؤكداً أن الشهداء والجرحى قضية مقدسة والإيمان بالوطن والدفاع عنه عقيدة وأن الميدان ليس فيه مكان للخوف لأن من عليه أبطال شجعان يتحلون بالصبر والإيمان.

مع قرار التسريح قبل الأخير كان عامر على موعد مع العودة إلى الحياة المدنية وإلى عمله وبكثير من شجن وفرح يصف هذه المحطة بقوله: بعد تحرير معظم أراضي سورية انتابنا الشوق للعودة الى المدينة ولأسرنا ليتابع الشباب الأصغر سناً هذا الطريق وخاصة أن طفلي كبرا بعيداً عن عيني وحان الوقت للعودة إلى أسرتي أباً وابناً وإلى عملي صحفياً.

وعن لحظة تلقيه خبر التسريح يتحدث عامر: كان زميلي في وكالة سانا الذي يقاتل أيضاً في صفوف الجيش العربي السوري ويقضي فترة خدمة العلم في مكان آخر اتصل بي ليخبرني بخبر تسريحي بفرح شديد رغم أن القرار لم يكن يشمله مضيفاً: “هكذا تكون علاقتنا النضالية والعسكرية والأخوية في الجيش حتى اللحظة الأخيرة”.

ويقول عامر: “عدت لعملي بين زملائي أحاول أن أنطلق من جديد وأتابع مسيرة عملي فيجب أن نكون فاعلين أينما وجدنا بما يخدم الوطن ويشفي جراحه تقديرا لشهداء وجرحى سورية الذين ضحوا بدمائهم وبأجسادهم لأجل سورية ومستقبلها”.

سنون بقدر صعوبتها بقدر ما زادتنا صلابة وقوة عبارة زوجة عامر كيندا قرحيلي في حديثها عن مرحلة خدمة زوجها وهي موظفة وترعى رضيعين، لافتة إلى أنها حاولت أن تعتمد على نفسها وتخفف من أعباء زوجها ومسؤولياته ليتابع مهامه ويؤدي واجبه على أكمل وجه.

ومن أجمل ما استحضرته كيندا في حديثها عن تلك المرحلة أنها كانت تحاول أن تؤكد دور الأب رغم غيابه فكانت تجري اتصالا وهميا بزوجها أمام أطفالها لتسأله عن بعض الأمور وتأخذ بقراره وتبلغه رسائل شوقهم ومحبتهم له.

مها الأطرش