العلاج أم السلاح؟

إحدى أهم الحقائق التي يُلح الوباء العالمي “كورونا” بطرحها على حكومات الغرب، وتَحديداً على الإدارة الأميركية التي يَلتحقُ الغرب بسياساتها، تتجسد ربما بانكشاف هذه الحكومات أمام مُجتمعاتها، وخصوصاً لجهة الادّعاء بأنها تُوفر نظام ضمان صحي راقٍ يُحقق الأمن المُجتمعي، بمُقابل بروز حقيقة صادمة تُظهر العجز بمواجهة الفيروس القاتل!

وبينما يَتواصل تَخصيص اعتمادات مالية غير مَسبوقة لإنتاج السلاح وللإنفاق على ما يُدَّعَى أنه للدفاع – 750 مليار دولار ميزانية الولايات المتحدة لعام 2019 – تَنكشف إدارة ترامب وحكومات الغرب أمام شعوبها، إذ تبدو الهوّة كبيرة جداً بين المُتوافر من أجهزة التنفس الصناعية، والأقنعة الواقية لديها، وبين الحاجة الحقيقية لها في ظل الانتشار السريع لوباء كورونا بأميركا وبلدان القارّة العجوز.

أحدُ أهم التساؤلات – بل المُفارقات – التي تَطرحها المُجتمعات الغربية اليوم هي: أيهما أكثر أهمية: توفيرُ العلاج الصحي للشعب، أم إنتاج السلاح والاتجار به؟ ذلك مع عدم التعافي من حُمّى سباق التَّسلح التي تَجتاح الولايات المتحدة ومُجمعات الصناعة العسكرية في الغرب الاستعماري الرأسمالي المُتوحش؟

استطراداً، يُطرح حالياً في الغرب مُفارقات وتَساؤلات أخرى: أيّهما كان ينبغي أن يَحتل الأولوية، الاهتمام والعناية بالقطاع الصحي؟ أم الاستمرار بإشعال الحروب والفتن حول العالم لتَوريد المزيد من قطع السلاح لتَغذيتها؟ ناهيك عن التدخل فيها لتحقيق غايات سياسية قذرة، وأخرى نَهبويّة لا تقل قذارة.

في الواقع، يُعتقد أن وباء كورونا سيُحدث الصدمة اللازمة – إن لم يَكن قد أحدثَها – لتَستيقظ ربما المُجتمعات الغربية على حقيقة أنّ السقوط القيمي والأخلاقي للغرب لم يَقع فقط، بل كان سقوطاً مُدوياً، ذلك أنه إذا تمّ التغاضي عن كل التصريحات المُستنكرة الصادرة عن قياداته ومسؤوليه، فإنّ انكشاف كذب ادّعاءاته بالحرص على الإنسان وحقوقه باعتماد نظرية تنظيف المُجتمع من كبار السن والضعفاء وتَركهم بلا علاج وصولاً إلى الموت، إنما تُعريه وحدَها كواقعة دُوّنَت في عدة بلدان غربية وقد جَهَرَ بها المسؤولون الغربيون تَصريحاً ومُمارسة.

لماذا على أميركا أن تُنتج وتَمتلك أعداداً من الطائرات والصواريخ والرؤوس النووية والفرقاطات والأساطيل، هي أكثر بكثير مما تُنتج وتَمتلك من المشافي والأَسِّرة والتجهيزات الطبية؟ لماذا ألغى أول ما ألغى دونالد ترامب قانون الضمان الصحي المعروف بـ “أوباما كير” إذا كان حَريصاً على شعبه؟ وإذا كان رفع شعار أميركا أولاً في حملته الانتخابية؟ ولماذا يَستمر بدعم التنظيمات الإرهابية التي أنشأتها إدارة سلفه – أوباما – في سورية، إذا كان قرر غير مرّة – قبل أن يتراجع – سحب قواته المُحتلة من التنف ومُحيطها إقفالاً للحروب الخارجية، حسب زعمه الكاذب؟

نحنُ لا نَحتاج لسَوق المزيد من الأدلة لنُثبت نفاق وعُهر السياسات الأميركية – الغربية المُتصهينة، الداخلية منها والخارجية، لكن هل أدركت المُجتمعات والنُّخب بأميركا والغرب أيّ مُستوىً من الدُّونية ما هي عليه حكوماتها وقياداتها؟ وهل يُشكل ذلك دافعاً لها لتُحدث التَّغيير، أو لتتغير، فتُغادر مساحات النهب والعدوان والعنجهية والغطرسة، وتَقترب من مساحات الإنسانية والعدالة والسلام؟ يُعتقد أن مُحاولة الإجابة عن السؤال المَطروح: السلاحُ أم العلاج؟ أيُّهما أهم، ولمن الأولوية؟ وحدَها كافية ليَقع الانقلاب في المفاهيم وبالممارسة هناك، وليَحصل التغيير الذي انتظره العالم طويلاً.

بقلم علي نصر الله

انظر ايضاً

ما وراء طرح دولة منزوعة السلاح ..؟ بقلم: ديب حسن

أخفق العدوان الصهيوني في غزة وعرى الكيان العنصري أمام العالم كله، ومعه الغرب الذي يضخ …