الشريط الإخباري

لا هدنة مع الإرهاب

تجهد الدولة التركية، المحكومة اليوم بتحالف حزبي “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية” اليميني المتطرّف، لترسيخ نفوذها، من خلال العودة إلى ذهنية “الاتحاد والترقي” في الإبادة الجماعية والقتل المتوحش، ومن خلال “تركيب” مشاريع انتقامية وثأرية مستلهمة من أحقاد “الرجل المريض” القديم الطامح للعودة.. هي في سبيل ذلك تعطي لنفسها الحق في التدخل العسكري مباشرة، أو بالوكالة، في مناطق تطلق عليها اسم “الولايات العثمانية”، مستفيدة من الضعف الذي تبديه الحكومات الغربية، والأوروبية خاصة، تجاه قضايا عديدة، مثل دفع ملايين المهاجرين غير الشرعيين للزحف إلى أوروبا، واستخدامهم ورقة ابتزاز وعملة قابلة للمبادلة، أو عبر دعم الجماعات الإسلامية الإرهابية، وتجنيد عصابات من الخارجين عن القانون والمجرمين وأصحاب السوابق، وتعبئة وتحريض الجاليات الإسلامية لاختلاق الفوضى في المدن الأوروبية، أو من خلال اللجوء إلى عمليات الاستقطاب الإيديولوجي والسياسي لمختلف الممثليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا، في وراثة رسمية للدور السعودي، حيال ذلك.

وسواء تعلّق الأمر بسورية أو ليبيا أو العراق، أو مصر أو تونس أو الجزائر، أو غزة، أو قبرص واليونان وبلدان البلقان، أو شبه جزيرة القرم، أو دول الاتحاد الأوروبي، فقد بات واضحاً أن النظام الأردوغاني يشكّل تهديداً إقليمياً ودولياً من خلال احتلاله أراضي دول مجاورة، وانتهاك سيادتها، وممارسته التطهير العرقي ضد كل ما هو غير تركي، وتنقيبه غير القانوني عن الغاز في البحر المتوسط في مواجهة قبرص، واستفزازاته ضد اليونان في بحر إيجة، وتدخله في شبه جزيرة القرم، أو عبر استضافته زعامات إخوانية – “محسوبة عربية” – مطلوبة قضائياً في بلادها، أو تشغيله لإرهابيين تكفيريين خاضعين لسيطرة أجهزة استخباراته. كما بات واضحاً أن الحزب الحاكم في تركيا يتطلّع إلى دور “الزعامة” في العالم الإسلامي، وأن “العثمانية الجديدة” تحوّلت، معه، إلى استراتيجية ثابتة، حيث يتخذ التوسّع الأردوغاني في المحيط الجغرافي لتركيا شكل نزعة استيطانية واستعمارية جديدة؛ وأن الديكتاتور التركي ماض، بالمقابل، إلى نهاية منطقه الحربي، فهو يدرك تماماً أنه لن يستمر سياسياً بعد أول هزيمة عسكرية له، وأن الرهانات القائمة لم تعد تتصل بمستقبله السياسي الشخصي وحسب، بل ترتبط أيضاً بانتفاء قدرة التيار الإخواني العالمي على البقاء والاستمرارية بعد قرابة عشرين سنة على “عقد راية الخلافة” له لاقتياد العالم الإسلامي إلى “الشرق الأوسط الكبير” والديموقراطية الأمريكية، وعشر سنوات من العمل على تقويض الأنظمة والإيديولوجيات الوطنية والقومية في الوطن العربي تحت شعارات “الربيع” المزيفة.

“ربيع” مزيّف، إذ يعرف السوريون جميعاً أنهم يخوضون في هذه المرحلة معركة وجودية للحفاظ على وحدة بلادهم، وسلامة أراضيهم، وسيادتهم الوطنية، وأن أردوغان إنما يخوض معركته الشخصية، وأن المطاف سينتهي به أخيراً إلى الوقوف في الزاوية.. لقد فشلت رهاناته باستخدام التكفيريين المرتزقة الذين فرّوا وتخلّوا عن مواقعهم واستحكاماتهم وأنفاقهم، ونقاط المراقبة التركية محاصرة، والقوات الخاصة التركية تنسحب.. تهديداته جوفاء وهو لن يستطيع الاستمرار بالمناورة والكذب إلى ما لا نهاية..

أردوغان في موقف صعب، ولحظة الحقيقة التي طال انتظارها تقترب، فهو إن أمر جيشه بالهجوم سيتعيّن عليه تبرير الخسائر المحتملة في حرب لن يتمكّن من الفوز بها، وإن غيّر خطابه العدواني فإن الشكوك ستحاصر رئاسته..

الجيش العربي السوري، من جهته، مستمر في أداء واجبه المقدّس، وحملته لتحرير محافظة إدلب متواصلة، ويعلن كل يوم عن استعادة قرى وبلدات جديدة، وهو لن يقبل بأقل من تحرير جميع أراضي الوطن من دنس الإرهاب وداعميه، فلا هدنة مع الإرهاب، ولا استسلام لطروحات القبول به، فوق أي ذرة من ثرى سورية.

بقلم: بسام هاشم