الشريط الإخباري

خيارات الفلسطينيين

يَستعجل نتنياهو الذهاب لتطبيق مُفردات جريمة «صفقة القرن»، ولا يُبدي ترامب اندفاعاً أقل من دافعية صاحبه الذي تَجمعه معه، إضافة إلى الروابط الصهيونية البنيوية والعضوية المُتعددة، الأزمة التي يُعانيها الاثنان انتخابياً وسياسياً وأخلاقياً، ذلك أن لدى كل منهما أزمة تُهدده بالعمق في مستقبل حياته السياسية والشخصية.

الكثيرُ قيل في «الصفقة»، بدوافعها، وبتوقيت إعلانها، من أنها غير قابلة للتطبيق، ومن أنها لا تَحظى بالتأييد الكافي لتتحول واقعاً، ومن أنّ أدراج الأرشيف التي تحتوي سابقاتها تتحضّر لقبول انضمامها لكامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة كخطط فاشلة للسلام المزعوم، وكوصفات استسلام ترفضها الشعوب، فضلاً عن أصحاب الحقوق المُتمسكين بقضيتهم العادلة.

الكثيرُ سيُقال من دون توقف «بالصفقة الجريمة» سواء وَجَدَت زمرة نتنياهو- ترامب وسيلة لفَرضها، أم لم تجد، بالحالتين سيكون هناك أهم مما سيُقال لاحقاً عنها وفيها، بعرّابيها ومُريديها ومُموليها، ذلك أنه بالحالتين هناك ما هو مُهم جداً سيَقع، وسيَترتب عليه ومعه العديد من الاستحقاقات التي من شأنها أن تُغير باتجاهات غير منظورة، فتُحدث ربما الكثير مما لم تحسب له واشنطن، والكثير مما لم يخطر حتى لجماعات الضغط التي تقف خلف نتنياهو في واشنطن وداخل الكيان الغاصب.

خطة ترامب نتنياهو، ليست صفقة، ولا يجوز وضعها تحت هذا المُسمى، لماذا؟ ببساطة لأن الصفقة لتتم تحتاج إلى طرفين، إذا كان نتنياهو – ترامب طرفاً فيها، فإن الطرف الآخر المُتوافر من خارج الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية لا يُمثل، وغير ذي قيمة تَوفره من عدمه، سواء كان الطرف الآخر الأعراب مُجتمعة، أم كانت مُمثلة بمن حضر الإعلان، وسواء كان الحاضر أميراً أم ملكاً، فهو ملك أو أمير برتبة خائن وعميل.

الشعبُ الفلسطيني – سلطة وفصائل مقاومة، في الداخل والشتات – الذي رفض «الصفقة»، خياراتُه ليست مَحدودة كما يعتقد البعض، ولا كما يبني البعض الآخر اعتقاداً مُماثلاً بالاعتماد على حالة الضعف والانقسام القائمة بأوساطه السياسية والمُقاوِمة، ذلك أن مروحة خياراته تتجاوز الهياكل والتنظيمات، مُرتكز قاعدتها الحقوق التي لا تسقط بالتقادم، وتدعمها جملة قرارات دولية تَزدريها واشنطن، لكنها لا تَقوى على شطبها، والأهم هو أن إيمان هذا الشعب بقضيته قويٌّ لم يَضعف بعد كامب ديفيد، ولا بعد أوسلو ووادي عربة، بل صار أكثر قوّة.

صحيحٌ أنّ الشعب الفلسطيني يعرف أنّ ما تتبناه واشنطن كقوة مُتغطرسة ترعى مشروع الكيان الصهيوني، لا يُمكن تجاهله، خاصة إذا ما التحق الغرب المُنافق بها داعماً، غير أنّ الصحيح أيضاً أن هذا يُحفزه ليُكرر فعل الإسقاط اليوم كما أسقط من قبل محاولات أميركية غربية لتصفية قضيته، مرّة بثباته، ومرّة بالاعتماد على سورية كظهير صلب وكحاضنة قومية لفلسطين قضية مركزية لها.

اليوم لدى الفلسطينيين مروحة خيارات أكثر اتساعاً، تُعززها انتصارات سورية على معسكر أعدائها المُتشكل ضدها، فقط لأن فلسطين قضيتها، وتزداد صلابة، وقد صار لفلسطين محور مُقاومة، سيفه قاطع، إنجازاته لا تَخفى، وتخشاه «إسرائيل» التي تعرف حجمها الحقيقي إذا خرجت أميركا مهزومة من المنطقة.. ستَخرج.

بقلم: علي نصر الله