مــــن يخاطــــب الشــــبابَ ُ؟

تثير مسألة مشاركة الشباب في قضايا المجتمع والدولة، ونوعيّة هذه المشاركة من حيث الرهان عليها، إشكالية كبيرة مُثقلة بتَركة تاريخية هي غاية في الأهمية.

يكثر الحديث، ويتكرر في واقعنا الوطني والقومي عن المفارقة بين دور الشباب في القرن الماضي واليوم، وأعتقد أن هذه المسألة تحظى بالاهتمام على المستوى الدولي، حيث كان للشباب العالمي تأثيره في القضايا الوطنية والإقليمية والعالمية منذ تأسيس الاتحاد العالمي للشباب الديمقراطي في أعقاب الحرب العالمية الثانية سنة 1945، المنظمة الشبابية العالمية المعادية للامبريالية والتي ضمّت في صفوفها تيارات شبابية متنوعة يغلب عليها الطابع اليساري والتقدمي والتحرري، وكان لها دور فاعل في المجتمع الدولي: الأمم المتحدة، اليونسكو… إلخ، لكن الأمر اليوم مختلف لأسباب، وللأسف.

كان، ولايزال، لشباب سورية حضور فاعل وتاريخ نضالي مرموق يزداد اليوم في هذا الدور المتألق الشامخ بصموده في وجه وحوش العصر من تحالف صهيوأطلسي – رجعي عربي يعمل على تقويض منجزات حركة النهضة والتحرر الوطني والاستقلال العربية متمثّل اليوم بعصابات التطرف والتكفير والإرهاب العابر والجوّال بمموليه ومشغليه وداعميه من ذلك التحالف وذيوله.

بالمقابل، يكثر الحديث اليوم، ويتكرر عن الفجوة بين الأجيال التي تعاني منها المجتمعات العربية، وآية ذلك عزوف فئات واسعة من الشباب عن الاستراتيجيات التي تطرحها الحكومات والأحزاب والمنظمات، بما فيها من عناوين تهدف إلى التمكين للشباب، لأن بعضها أو أغلبها يبقى مجرد عناوين، فنحن نشاهد عزوف الشباب عن المشاركة والتفاعل في غير قليل من الندوات والمحاضرات التي تطرح استراتيجيات فضفاضة وتقليدية، ونرى بأم أعيننا هذا العزوف والانشغال تعويضاً بدردشات وسائل التواصل الاجتماعي خاصة، بما فيها من هشاشة وهامشية – كما نظن – ؟!.

ومن جهة أخرى رأينا كيف أثّر الفضاء الالكتروني، والإعلام المضلل، في إضعاف منَعة شباب المجتمعات العربية خلال المشهد الاحتجاجي الذي كان مقدمة للربيع الصهيوني، وكيف تم زج قطاعات واسعة من الشباب العربي والإسلامي بسهولة في قطعان التطرف والتكفير والإرهاب، ما أدى إلى خسارة وطنية وقومية غير معهودة في تاريخنا الحديث والمعاصر أثّرت سلباً في مسائل الوعي والهوية والتنمية والتقدم.

ولا يجوز بأي شكل من الأشكال تحميل مسؤولية هذه الخسارة، وهذا العزوف، وتلك الفجوة المقلقة، إلى الشباب الذين يتطلعون اليوم بلهفة إلى سؤال الواقع والمستقبل، ويبحثون عمّن يخاطبون من جهة، وعمن يخاطبهم من جهة ثانية.

في الواقع هناك اليوم سؤال صعب في هذا الخطاب المتبادل: من – إلى، ولا مفرّ، بل لا بد من الإجابة عنه، لارتباط السؤال والجواب بقضايا المصير، كي لا يكون قسم من الشباب في غربة زمانية، وقسم آخر في غربة مكانية، ولا سيما أن شبابنا أكدوا للعالم كيف تكون الوطنية، والتضحية، والتطلع إلى المستقبل الواعد، الهدف والأمل، والرجاء أيضاً. وهم الذين عطّرت دماؤهم الطاهرة تراب الوطن في – ومن – كافة أرجائه، كما أن دعامة المشروع الوطني المقاوم لمشروع التحالف الصهيوأطلسي – الرجعي العربي هم الشباب الذين ما بخلوا بالأمس، ولن يبخلوا في المستقبل بالتضحية والفداء.

مع ذلك لا بد من رؤية جديدة، أو متجددة، للتمكين للشباب، تنطلق من توفير الظروف للمشاركة الفاعلة، ولابتداع مبادرات، ولإتاحة فرص أوسع للحوار الجديد في هموم الواقع وآفاق المستقبل، تبدأ من الأنشطة اللاصفية في المدارس والجامعات، ومن أنواع متعددة من المعسكرات الصيفية، ومن طرح عناوين غير تقليدية للأنشطة الثقافية والفكرية، وألّا تُغمض العين عن الإحساس بالفجوة التي يرى شباب اليوم أن شباب القرن الماضي يتعمّدون توسعتها بالنقد والحديث عن المفارقة بين الأمس واليوم في الوعي والالتزام، وعن عزوف الشباب عن بعض البرامج الرسمية التي يرونها غير جاذبة، والأهم من ذلك عن فقدان ثقة بعضهم بغير قليل من الإجراءات التي تُسرف في الحديث عن “المؤامرة”، وتقفز فوق الاعتراف بـ “قصور العامل الذاتي”.

فهناك قسم من شبابنا يرى مثلاً أن المؤسسات العامة التنفيذية والسياسية والإعلامية… إلخ لا يمكنها أن تتحمّل سقف طروحاتهم، وأن تسمع بهدوء لحساسية أسئلتهم وقوتها ومباشرتها وقسوتها… فيلوذون بالصمت، وبعدم المشاركة، والانصراف إلى شأن آخر؟! وهذا خسارة كبرى.

هذا.. مع وجود خلاف في تحديد سن الشباب، وهل هو رقم، أم فاعليّة؟، وقد أضفت الحرب على سورية اعتبارات أخرى لهذا الرقم، إضافة إلى وجود من يستمرىء قول بدوي الجبل: يبلى الشباب ولا تبلى سجاياه.

الحاجة ماسّة إلى من ينجح في مخاطبة شباب اليوم في واقعهم الذي من خلاله ينجح رهاننا على المستقبل، وهي ماسّة أيضاً في حاجتنا إلى من يخاطبنا بنضوج من الشباب للنجاح في عملية البناء والإعمار المعنوية والمادية، وفي التنمية المستدامة بكافة أنواعها. وحسناً تفعل قيادة الحزب ومؤسساته في التفاتها إلى هذه المسائل.

بقلم: د. عبد اللطيف عمران