بصرى الشام… المدينة الحية المتربعة على عرش أمهات المدن الكبرى

درعا-سانا

تقف مدينة بصرى الشام منذ العصر الروماني بين مدن الميروبوليان أي أمهات المدن الكبرى في العالم وعلى راسها عاصمة الامبراطورية الرومانية روما وفي العصر الحديث تعد من أهم المدن الأثرية في سورية والمسجلة منذ عام 1980 على لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونيسكو كواحدة من المواقع التراثية العالمية.

تتألف المدينة من معالم تراثية عديدة من المدرج الروماني وسرير بنت الملك وقلعة بصرى وباب الهوى ما جعلها كما المواقع الأثرية السورية عرضة لاستهداف التنظيمات الإرهابية والتكفيرية من خلال تدمير الأوابد الاثرية وسرقة القطع واللقى للمتاجرة بها وبيعها وتشويه حضارة عمرها آلاف السنين.

بالعودة لتاريخ مدينة بصرى الشام التي كانت العاصمة الإدارية والعسكرية للمنطقة منذ العهد النبطي إن لم يكن قبل ذلك في العهود الآرامية والأقدم منها كانت بحق مركزا للحياة البشرية في جميع المجالات من صناعية وزراعية وتجارية وثقافية وعمرانية وتنظيمية على مدار أيام السنة لذلك حول سكان بصرى مدينتهم إلى مدينة تضاهي أمهات المدن القديمة.

وفي خضم هذا النشاط الجسمي والفكري المتواصل كان لا بد من تزويد المدينة بالألعاب والفعاليات كما هو الأمر في يومنا الحاضر وتخصيص أبنية تقام فيها هذه الفعاليات والنشاطات ومن هنا نجد أن مدينة بصرى بحسب دراسة علمية محكمة للباحث الدكتور خليل المقداد كانت السباقة في بناء وتهيئة ميادين الفروسية والمسارح وميادين العاب القوى وحمامات عامة وفنادق ومنتديات التي بنيت على شرف الآلهة العربية من نبطية وآرامية وفينيقية وعلى رأسها إله مدينة بصرى النبطي ذي الشرى والذي تمثل عند الإغريق بالإله دوساريس وعند الرومان بالإله باخوس.

تميزت مدينة بصرى ببوابتها الجنوبية المهيبة والتي ازدادت هيبتها حسنا وعظمة في عهد الامبراطور تراجان وخاصة بعد أن أصبحت هذه البوابة تطل على المعسكر حيث تعبرها الفرق والقادة العسكريون أثناء الاحتفالات والانتصارات والعروض العسكرية وقد بنيت بضخامة فائقة خصيصا لذلك.

وتضم البوابة عشرة أقواس موزعة في المركز والجوانب فيما زين البوابة المحاريب التي تفتح على كل الاتجاهات إضافة إلى النقوش والزخارف النباتية وخاصة المشتقة من أوراق الكرمة واللوحات الميثولوجية المقتبسة من الأساطير العربية واليونانية والرومانية وصور الملاك العاشق البوتي كما تحتضن البوابة الأسوار الدفاعية العالية ويبلغ ارتفاعها عشرة أمتار بينما يبلغ ارتفاع البوابة خمسة عشر مترا.

أما زوار المدينة فمعظمهم من التجار القادمين من مختلف الأنحاء وأفراد القوافل التجارية وأصحاب المصالح المختلفة فكان يتوجب عليهم تسجيل أسمائهم عند الحرس المختص بشؤون الأجانب.

وفي المدينة شارع رئيس مستقيم الكاردو تحيط به المنازل وهي مخصصة بشكل عام لسكان عائلات كبار الضباط في الجيش ورجال الأمن في المدينة والولاية أما المساكن الشعبية فكان معظمها في الأحياء الغربية وتضم المدينة ساحة كبيرة والأورقة التجارية والمصلبة التترابيل التي تتوسط تقاطع شارعين رئيسين الكاردو والدوكومانوس الذي يقود إلى المسرح إضافة إلى وجود المحكمة الكوري وهي مركز مستشارية المدينة الذي يتكون من طبقة النبلاء وتحيط بالساحة معابد منتصبة على الجهات المحيطة بها ومنها المعابد الرخامية المكرسة إلى آلهة الأسلاف.

وفي بصرى الشام معبد زيوس أمون الذي كرس ليكون على شرف إله الفرقة الثالثة الرقاوية وكبير الآلهة عند الإغريق والذي تمثل في الإله جوبيتر عند الرومان كما أصبح من كبار الآلهة في حوض النيل.

وفي كل مكان من المدينة لم تضجر وتمل من كثرة التماثيل المعروضة هنا وهناك إذ كثيرا ما يتوقف المرء أمام تماثيل الشيوخ والقناصل وذوي المراكز العالية بمن فيها الشخصيات من مراكز ما فوق رتبة القناصل أي الروقناصل حكام الولايات المرموقة في الامبراطورية مثل الولاية العربية وجميع هذه الشخصيات عرفت من خلال الكتابات المنقوشة على الركائز التي تشير بعبارات التفخيم والكرم والسخاء المقدم من قبل الولاة أو الشخصيات الغنية أو من قبل زعماء القبائل في المنطقة كإهداء وتكريم.

أما المحكمة أو مجلس القضاء الكوري المعروف بواجهته التي تشبه واجهة معبد فخم رباعي الأعمدة والواجهة الكلاسيكية المثلثة مع الرواق المتقدم على شكل بهو مهيب قسمت صالته في الداخل إلى قسمين من خلال معبر مركزي يقود إلى تمثال الامبراطور كركلا الذي ظهر على شكل عجوز فوق صف من المقاعد الحجرية والركائز الخشبية المجهزة والمزينة من خشب الصنوبر المنقول من الساحل السوري الفينيقي.

وتميزت المدينة بإقامة المهرجانات وألعاب دوستريس ذي الشرى الأولمبية في بصرى والتي تتضمن عرضا افتتاحيا وبعده الاحتفال الجماهيري والقاء الكلمات والترحيب بالفرق المشاركة في العروض إضافة إلى إقامة الفعاليات فوق خشبة المسرح من عروض مسرحية ورقص وغناء ونشاطات تقام في ميادين الفروسية الهيبودروم ومسابقات الفروسية والهجن وغيرها.

وكانت تقام أيضا عروض داخل حلبة المسرح الدائري من مصارعة الأبطال لبعضهم ومصارعتهم مع الحيوانات المفترسة والثيران وتنفيذ الأحكام القضائية إضافة إلى العروض التي تجري في حوض السباحة والألعاب المائية.

وعلى أرصفة المدينة وأمام المحال التجارية كانت تعرض الجرار التي صنعتها حسناوات المدينة وتحمل اختام وبصمات عملهن وإنتاجهن والتي تميزت بالخفة والرشاقة والمتانة وقد كانت هذه ميزة الفخار الحوراني المصنوع من التربة البازلتية التي ميزت في الوقت نفسه الفخار النبطي عن باقي أصناف الفخار في العالم عبر التاريخ.

كما تميزت المدينة بالكثير من الصناعات الحرفية من صوفية ونسيجية وجلدية والصناعات المعدنية والنحاسية والفضية والمجوهرات الذهبية التي جملت الأميرات ونساء الولات والأباطرة.

الأبنية المشادة في مدينة بصرى الشام ابتكار محلي تم تقليده في جميع المدن السورية ثم نقل إلى العالم بعد مئات السنين واصبح منهجا معماريا عالميا مطبقا في الأبنية ولأن المنطقة فقيرة بالأخشاب ابتكر أبناؤها نظام الأقواس والأقباب لينتقل هذا المنهج إلى الإغريق والرومان عندما ذهب المهندسون السوريون ليطبقوا ذلك في جميع الأبنية التي تمت إشادتها في عهد الامبراطور تراجان بعد أن حول بصرى الشام إلى عاصمة للولاية العربية الرومانية ليسميها على اسمه تريانا الجديدة.

رشا محفوض

تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :

https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency

تابعوا صفحتنا على موقع (VK) للتواصل الاجتماعي على الرابط:

http://vk.com/syrianarabnewsagency

انظر ايضاً

الانتهاء من تأهيل وتجهيز بئر تروي 12 ألف نسمة في بصرى الشام

درعا-سانا أنهى فرع الهلال الأحمر العربي السوري بدرعا بالتعاون مع المؤسسة العامة لمياه الشرب تأهيل …