الشريط الإخباري

أحمد الأوبري.. مؤسس المدرسة التعبيرية بالغناء العربي

دمشق-سانا

احمد الاوبري عالم موسيقي سوري أخذ الموسيقا على أصولها العلمية وتعمق بالموسيقا الكلاسيكية الأوروبية وعلومها واستخدمها في الحانه العربية فجدد فيها دون تشويه أو تغريب ليسبق بذلك الموسيقار محمد عبدالوهاب.

واحتفاء بالأيقونات الموسيقية السورية في القرن العشرين ومواكبة لمهرجان الملحنين السوريين الأول الذي يقام مساء اليوم في دار الأسد للثقافة والفنون نستذكر هذه القامة الموسيقية المهمة وما قدمته للأجيال من إرث غني لكنه لم ينل ما يستحق من الشهرة والمكانة بين الموسيقيين العرب الكبار.

وحسب المرجع الموسيقي العلمي مبدعو الألحان السورية في القرن العشرين الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب جعل الأوبري من الموسيقا هواية له وليس حرفة فجعلها في المرتبة الثانية بعد عمله على الرغم من النشاطات الموسيقية الواسعة التي قام بها وألحانه الكثيرة.

والأوبري هو ابن حلب الشهباء ولد عام 1885 في أسرة محبة للموسيقا حيث كان منزل العائلة يستضيف الموسيقيين والمطربين ويقيمون فيه السهرات الغنائية بمشاركة والده.

تعلم الاوبري العزف على آلة الكلارينيت والنوتة وقواعد الموسيقا والعلوم الموسيقية الغربية مثل الهارموني والبوليفرني والكونتربوان على يد الرهبان الايطاليين وانضم إلى الفرقة الموسيقية النحاسية للمدرسة عازفا على آلة الكلارينيت واطلع على التراث الموسيقي الحلبي خاصة والعربي عامة لكنه لم يقع أسيرا لهما بل انطلق بموسيقاه إلى آفاق تعبيرية حديثة مستفيدا من العلوم الموسيقية الغربية التي درسها لتنطق موسيقاه بلغة عربية أصيلة وبروح تجاوزت العصر.

كان للاوبري الكثير من النشاطات الموسيقية حيث ساهم عام 1928 بتأسيس نادي التمثيل الوطني وعندما قامت سلطات الاحتلال الفرنسي بإغلاقه بسبب نشاطاته المعادية للاستعمار ساهم بتأسيس نادي الصنائع النفيسة وقام بتلحين عدد من الأناشيد الوطنية المعادية للاستعمار فقامت أيضا سلطات الاحتلال بإغلاقه.

كما شارك في حفل تأبين الموسيقي السوري الكبير كميل شامبير وفي الحفل قاد الفرقة الموسيقية ولحن ثلاثة أعمال غنائية في رثائه هي “يا شهابا” غناء المجموعة و “ياعروسا” شعر عمر ابي ريشة وغناء المطربة طوباليان و”عفة البرد” نظم عمر ابي ريشة أيضا وغناء عبد الرحمن الأوبري.

وعند افتتاح إذاعة حلب عام 1948 كان ضمن لجنتها الموسيقية ويبقى من أهم نشاطاته المشاركة في مؤتمر الموسيقا العربية الذي انعقد أواخر آذار 1932 في القاهرة ضمن الوفد السوري الرسمي.

يعتبر الاوبري من الباحثين الموسيقيين المتعمقين وله دراسات عديدة مهمة منها “الموسيقا التركية” التي نشرتها مجلة الحديث في ثلاثينيات القرن العشرين وتناول فيها التجربة التركية في المزج بين الموسيقا التركية والكلاسيكية الأوروبية.

ومن دراسته المهمة “حفلات ام كلثوم” تناول فيها صوت كوكب الغناء العربي وأداءها بالتحليل بعد الحفلات الثلاث التي أحيتها في حلب عام 1931 وتحدث عن الانتقالات المقامية التي قامت بها والمواضيع التي أبدعت فيها كما عرض بعض الهنات في صوتها.

وللاوبري دراسة تاريخية مهمة عن فاصل “اسق العطاش” تضمنها كتيب صدر عام 1927 في حلب وتناول فيها بالشرح الروايات المتعددة عن أصل هذا الفاصل وجذوره التاريخية وعن رقص السماح الذي ارتبط باسق العطاش ارتباطا وثيقا.

في الجانب الإبداعي وضع الاوبري الكثير من الألحان والمقطوعات الموسيقية زاد عددها على المئة لم يصلنا منها مسجلا إلا القليل مثل نشيد “ياظلام السجن خيم” وأغنية “اريج الزهر يا ليلى” بصوت المطربة سحر وسبب عدم وصولها أن معظمها قدمت ضمن مسرحيات واوبريتات وقسم آخر منه أناشيد وطنية ضد المستعمر الفرنسي وأغنيات اجتماعية وهذه لا تلقى رواجا عادة عند شركات الاسطوانات وهي وسيلة التسجيل الوحيدة تلك الأيام ولكن وصلتنا نوتات الكثير من أعماله لم يسجل منها إلا القليل في مهرجان الأغنية السورية.

ولحن الاوبري العديد من المسرحيات والاوبريتات ومن أشهر أعماله الأوبريت التاريخي “ذي قار” من نظم الشاعر عمر ابو ريشة وتم تقديمها على مسرح اللونا بارك بحلب عام 1933.

الغناء الوطني كان المجال الأرحب لأحمد الأوبري ولحن فيه الكثير من الأناشيد التي هاجم في بعضها المستعمر الفرنسي وطالبه عن الرحيل عن بلادنا ومنها “حق الجهاد عن الحرم” والحرم مقصود به الوطن وعندما مات المناضل ابراهيم هنانو رثاه ابو ريشة بقصيدة “هنانو” وألبسها الاوبري ثوبا لحنيا حزينا يناسب المقام وله أيضا “اوطاننا وهي الغوالي” شعر معروف الرصافي و “دمت يا شهباء ما دام الزمن” ونشيد “نحن يوم الروع أنصار الوطن” ونشيد “العلم” شعر سامي الدهان و”انت سوري بلادي”.

والاوبري سبق الأخوين فليفل بسنوات في تلحين نشيد “في سبيل المجد والاوطان” لعمر ابو ريشة ولحنه لا يقل جمالا عن لحن الأخوين فليفل كما شارك في المسابقة التي أقامتها الحكومة السورية في ذلك الوقت لاختيار لحن النشيد العربي السوري عند استقلال سورية لكن لحنه على جماله لم يفز في المسابقة.

ولحن الاوبري العديد من الاناشيد الاجتماعية منها نشيد “يا معشر العمال” كلمات باسيل ايوب و”الفلاح العربي” ولحن للطفل اليتيم “شكوى اليتيم” نظم شارل ايوب.

وفي الغناء العاطفي لحن العديد منها “حديث الهوى داير” كلمات شارل ايوب و”الورد” شعر بشارة الخوري ولحنها الاوبري على إيقاع الرومبا و”بلبل غنى” وموشح “روماني بسهم هواه” وأغنيات كثيرة غيرها.

والاوبري من مؤسسي المدرسة الوصفية التعبيرية في الغناء العربي والتي بدأت في حلب ويظهر الأسلوب الوصفي التعبيري في الكثير من ألحانه ومن أهمها العمل الغنائي “الملائكة لا يحسبون” وهذا العمل أشبه بمشهد تمثيلي ولوحة تصويرية ناطقة حيث تغلغل الاوبري في المعاني التي حملتها الأبيات وألبسها الثوب الموسيقي المناسب.

وفي مجال التأليف وضع مجموعة من المقطوعات الموسيقية بعضها في قالب السماعي وبعضها الآخر مقطوعات منوعة منها “تانغو زكية” ومقطوعة “سلوى” ومقطوعة “تحية موسيقار” أهداها إلى أم كلثوم بمناسبة زيارتها إلى حلب عام 1931 ومقطوعة “دموع الحنان” الخاص بالناي .

هذا غيض من فيض عطاءات احمد الاوبري الكثيرة في المجالات الموسيقية كافة التي استمرت حتى رحيله في 19 نيسان 1952.

رشا محفوض