الشريط الإخباري

الحكومة ومحكمة المواطن

إذا كانت المعرفة قوة، وهي كذلك حقاً، فمن الضروري أن نعرف، ونعترف، بأنه إلى جوار من ينتظر ولادة الحكومة العتيدة بقلق الراغب بالنجاح، هناك من لا يأبه لها أصلاً، لأنه لا يأمل أي شيء منها، سواء لقناعة مزمنة نتجت عن تجربة مريرة مع سابقاتها، أو لظن متمكن بضخامة الأزمة واستحالة حلها، أو لإرادة مسبقة ورغبة واعية بالتعطيل، لأن المصالح، السياسية أو الاقتصادية، تقتضي استمرار الأزمة، وبالتالي، هنا لا رهان فقط، بل عمل دؤوب لإفشال الحكومة بالمطلق.

وهنا تحديداً، بين هذه الأطياف المختلفة، يكمن التحدي الحقيقي الذي يواجه الحكومة، ومفاده: كيف تُطَمْئِنُ المقتنع، وتقنع المشكك، وتقمع المعرقل، وتستميل المعارض، والمقصود بالمعرقل هنا، من يقوم، من داخل الجهاز الحكومي، بوضع العصي في العجلات، سواء بقصد تحقيق خطة تخريب ممنهجة، أو بغير قصد، بسبب قلة كفاءته أو جبنه أو قصر باعه. أما المعارض، من طيف سياسي أو اقتصادي مختلف، فهو حالة طبيعية ومنتظرة، ومن واجب الحكومة ودورها أن تقدّم له ما يستميله ويقنعه بأهمية الانخراط في العمل، فالشراكة المطلوبة تتطلب الانطلاق نحو جميع القوى السياسية والاقتصادية وإشراكها في بناء الوطن.

بيد أن واقع الحال يفرض علينا الإشارة إلى حقيقتين جليتين، الأولى: ضخامة المشاكل المتراكمة سواء مما قبل الأزمة أم بسببها، والثانية: ضخامة آمال المواطن في حكومة يمكن لها مواجهة هذه المشاكل، بهذا المعنى فإن التحدي الأول، والأهم، أمام الحكومة هو كيفية خلق الإيقاع الملائم بين الآمال والمطالب المحقة والعاجلة، وبين الإمكانات والقدرات المتوافرة على أرض الواقع، علماً أن المواطن السوري صبور، ولكنه يريد أساساً لصبره، وهو ليس أقل من البدء الحقيقي والجدي بحل مشكلاته ومعالجة أزماته، وببساطة، لا يريد المواطن متابعة اجتماعات حكومية مطوّلة أو زيارات وزارية تلفزيونية، بل يريد زيارة الكهرباء لمنزله بصورة دائمة، والاجتماع وقتما يحتاج مع أنبوبة الغاز وليتر المحروقات ورغيف الخبز، وفوق ذلك كله، لن يبالي، هذا المواطن، ببيان وزاري منمّق عن مكافحة الفساد، بقدر ما سيتابع باهتمام خلاصة أحكام قضائية، باتة وسريعة وعادلة، تُحاسب ناهبي الثروات، ومعرقلي المعاملات، ومبددي الأوقات، وبالتالي بناء دولة القانون، التي تشجّع كل الطاقات المتنوّعة على المشاركة لعلمها بوجود سقف واحد يخضع له الجميع.

ودون أن نغفل البعد الخارجي، الذي يعرقل الإصلاح ويحاربه، لأن في ذلك مقتلاً لمخططاته، وهو ما شاهدنا بعض دلائله في احتضان الخارج لبعض القوى الأكثر فساداً وإفساداً من غيرها، كما في التدمير الممنهج لأسس الدولة ومقدراتها الاقتصادية والثقافية والعلمية، من الممكن استخلاص ثلاثة دروس للأزمة، وأولها: إن تخلّف جهد الحكومة عن مواكبة إنجازات الميدان المتسارعة، يفقد هذه الإنجازات بعض قيمتها وفعاليتها في طريق الحل، وثانيها: إن القطاع العام هو الضامن الحقيقي للبلاد، وحين لعبت به أيدي “اقتصاديي السوء”، إفساداً وخصخصة سافرة أو مقنعة، دُمِّرت الدولة، وثالثها: إن القطاع الزراعي هو ركيزة أساسية للأمن القومي والغذائي ويجب إيلاؤه أهمية أكبر في المرحلة القادمة، وهنا من المفيد التنبيه إلى أهمية معالجة خوف المواطن المشروع من مصطلح “عقلنة الدعم” المتداول حالياً، لأنه، في عرفه، يعني رفع الدعم دون تقديم الحل المناسب لوضعه الاقتصادي المعروف.

وبالمحصلة، يقول المواطن: لا تملك الحكومة العتيدة فترة السماح المتعارف عليها، فإما وزراء للعمل الهجومي الإيجابي السريع والمباشر، وإما لا حاجة لأصحاب معالي جدد، وما يعنيه ذلك من سيارات ونفقات يدفعها من ضرائبه وأمواله.

وبما أن الشعب هو المنطلق والغاية، فإن على الحكومة المقبلة السير بمسارين متوازيين، الأول: مواجهة “دواعش” الإرهاب ومعالجة نتائج إجرامهم، والثاني: مواجهة “دواعش” الداخل من فاسدين ومفسدين ومحتكرين ومعالجة نتائج إجرامهم أيضاً.

بقلم: أحمد حسن