وثائق الخارجية السعودية المسربة تعكس تراجع نفوذ المملكة باليمن

بيروت-سانا

أكدت صحيفة الاخبار اللبنانية ان وثائق وزارة خارجية النظام السعودي التي سربها موقع ويكيليكس تقدم نظرة من داخل سفارة آل سعود في صنعاء عن مرحلة حاسمة ومصيرية من تاريخ العلاقات اليمنية السعودية تمتد من صدور المبادرة الخليجية وتسليم الرئاسة لعبد ربه منصور هادي وحتى انفلات الوضع من يد آل سعود وحلفائه ودخول حركة أنصار الله إلى صنعاء ثم الحرب المفتوحة.

وتعكس الوثائق إدراك مسؤولي النظام السعودي لتراجع نفوذهم في اليمن بعد الحراك الذي شهده الشارع اليمني والذي تمثل بالتحالف بين حركة أنصار الله والجيش اليمني ما عرض الجهود السعودية للسيطرة على اليمن إلى انتكاسة كبيرة ودفع المسؤولين السعوديين إلى مراجعة سياساتهم القديمة ورسم مشروع جديد لهم في اليمن تمخض عن التدخل العسكري فيه.

وذكرت الصحيفة في عددها اليوم أن “الوثائق السعودية المتعلقة باليمن تختلف بلغتها وطابعها عن تلك الصادرة من أي مكان آخر في العالم وقد تجد السفارات السعودية في أكثر من عاصمة وإقليم وهي تستميل الإعلام وتشتري السياسيين وقد تتدخل كما في لبنان والعراق في محاور وصراعات البلد ولكن لا يوجد مكان كاليمن تتكلم الدبلوماسية السعودية عنه بهذا الحس من التملك والاستئثار كأنه محمية للعرش السعودي”.

وأضافت “أن الكلام يدور في اليمن على شؤون البلد كأنها شؤون داخلية سعودية وهناك إصرار على أن تكون الإرادة السعودية حاضرة في كل ما يجري من الاقتصاد والنفط وصولا إلى التفاصيل القبلية ويتم النظر لأي تفلت من هذه الهيمنة كتهديد مباشر للمملكة”.

وتساءلت الصحيفة قائلة.. “ماذا يحصل إذا حين تبدأ هذه السطوة التي دامت للرياض لعقود بالاهتزاز والتصدع وحين تكتشف المملكة مع سقوط منظومة السلطة والمصالح التي بنتها وضبطت عبرها اليمن منذ عام 1994 أنها تواجه وضعا جديدا صعبا وأنه آن أوان دفع فواتير الماضي وأخطائه ماذا ستفعل السعودية”.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في العاشر من آذار عام 2012 صدرت برقية من ديوان النظام السعودي ممهورة بختم الملك عبدالله بن عبد العزيز وموجهة الى وزارة الخارجية متضمنة أمرا ملكيا بعد التذكير بالأهمية السياسية والأمنية والاستراتيجية لليمن يطلب فيه الملك السعودي من وزير خارجيته إفادة شاملة ومفصلة حيال تكثيف الوجود الدبلوماسي في اليمن ولو استلزم الأمر استبدال السفير الحالي علي الحمدان بشخصية أكثر ديناميكية حيث توجت البرقية عشرات المراسلات الرسمية التي تشكو حال النفوذ السعودي في اليمن وتحلل أسباب ترديه وتقترح خططا لترميمه.

ولفتت الصحيفة إلى أنه وفق تقارير سفارة ال سعود في صنعاء فإن ولاء حزب الإصلاح “الإخوان” الذي طالما أدى بالتنسيق مع الرياض دور المعارضة الداخلية في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح لم يعد مضمونا إذ إن ولاد عبدالله الأحمر انتقلوا إلى الرعاية القطرية مقابل مئات ملايين الدولارات بل إنهم يعملون على تصعيد الاحتجاجات وتخريب المبادرة الخليجية.

وبالتوازي مع سقوط حلفاء الرياض التاريخيين أو تأرجح ولاءاتهم إثر الأزمة التي ضربت البلد وأدت الى تغيير تركيبة نظام الحكم فيه انتبهت الخارجية السعودية إلى أن الاحتجاجات الشعبية التي استمرت لأكثر من عام أفرزت جماعات وتشكيلات مدنية جديدة هي القوى الواعدة للتأثير في المستقبل وهذه القوى كلها معادية لسياسة السعودية أو تقع خارج دائرة احتوائها.

كما أشارت الصحيفة إلى ما تقوله خارجية النظام السعودي في تقويم سياساتها أن ما زاد الطين بلة هو أن سقوط واجهة الاستقرار التي مثلها صالح كشف هشاشة السياسة السعودية في اليمن واعتمادها الحصري على حفنة صغيرة من نخب لا شعبية لها وبأن المليارات السعودية التي أنفقت على الساحة اليمنية كانت عبارة عن استثمار ارتجالي بلا تخطيط لم يثمر تراكما وذهب جله إلى المكان الخطأ.

وأضافت الصحيفة أنه.. “مع اعتراف السعوديين بحراجة وضعهم في اليمن سياسيا وشعبيا قام إجماع على ضرورة تغيير استراتيجية السعودية وانهالت الاقتراحات والخطط من مختلف الدوائر عن كيفية إحياء النفوذ السعودي وتلافي أخطاء الماضي”.

وفي برقية من وزارة الخارجية السعودية جاءت بعد الأمر الملكي بأسبوعين يقول الأمير عبد العزيز بن عبدالله “إن الأوضاع الحالية في اليمن تحتاج إلى إعادة صياغة لدور السعودية من كل النواحي”

فيما ينصح أحد المسؤولين عبر ملاحظة مكتوبة على الوثيقة بخط اليد “بجمع القيادا ت والفعاليات المؤثرة ومن نستطيع الوصول إليهم وبعد ذلك يقدم برنامجا للمساعدة وتوفير الإمكانات اللازمة لتكوين جبهة قوية في اليمن تمد بالدعم للقيام بما هو مطلوب لإيقاف المد الإيراني”.

وأشارت الصحيفة إلى أن مراسلات الخارجية والسفارة في صنعاء تشدد على أن السعودية لا تتحمل مراكمة المزيد من الأعداء في اليمن وأن الأوضاع تستلزم احتواء كل الأطراف السياسية حتى تلك التي لا تتوافق مع خط السعودية فيما توءكد برقية أخرى ضرورة التواصل مع كل الأطراف بمن فيهم حركة أنصار الله والحراك الجنوبي لاحتوائهم مما تعتبرها تدخلات إقليمية وأجنبية إضافة إلى ضرورة تبديل نمط التحالفات وأن الانفتاح على الأحزاب والمجتمع المدني أصبح أمرا ملحا وضروريا حيث أجمع المخططون السعوديون على الحاجة إلى إصلاح نهج السعودية في تقديم المساعدات والدعم المالي فاقترحوا التخلص من الطريقة القديمة في إعطاء الدعم عبر الجانب الحكومي وإقامة المشاريع باسم السعودية مباشرة وتسويقها بحيث يعرفها العامة في اليمن وهذا الأمر كفيل بكسب رضى الناس وتعاطفهم.

وبينت الصحيفة أيضا أن الوثائق السعودية تقدم لمحة فريدة عن سلوك المسؤولين السعوديين وهم يدافعون عن موقع بلادهم في ساحة تهتز من تحت أقدامهم إلا أنها تشرح أيضا أسباب فشل هذه السياسات وانفراط الحلف السعودي في اليمن وتعثر الخطة الخليجية والدور الانتقالي الذي رسم للرئيس هادي وتبدو السياسة السعودية كأنها تتكلم بأكثر من صوت لا انسجام بينها وكل يعمل على حدة.