الشريط الإخباري

أردوغان.. حين لا يكفي الكذب-صحيفة الثورة

فجأة اكتشف رئيس النظام التركي أردوغان أن تنظيم داعش بدأ يشكل خطراً عالمياً يهدد ثمانين دولة بالتحديد، وكأن هذا الخطر قد نشأ في الفراغ وكَبُرَ في الفراغ، دون أن تقف خلفه قوى كانت بلاده أهم ركائز دعمه وتنشئته وتمويله وصولاً إلى تسليحه.. ولا تزال، وهي التي رفضت حتى اللحظة محاربته، خصوصاً أن القسم الأكبر من مرتزقته يدخلون عبر الأراضي التركية، والعلاقات المفتوحة بين أجهزته الاستخباراتية وبين التنظيم لم تعد خافية على أحد.‏

وفجأة يدرك أردوغان أن داعش يسرق النفط ويتاجر به لشراء السلاح، وكأن بلاده لم تشترِ هذا النفط ولم تتاجر به علنا منذ سنوات طويلة، وهي التي سبق لها أن صفَّقت للقرار الأوروبي بشراء النفط السوري المسروق، الذي يقوم به داعش وأخواته من التنظيمات الإرهابية منذ سنوات، وهي التي شجعت ورعت عمليات نهب النفط السوري والعراقي، وعملت طويلاً على مدّ شبكات من العلاقات التي تضمن وصوله إلى حيث ينتج عائداً مالياً يموّل شراء السلاح الذي يرتكب عبره جرائمه ومجازره في الأرض السورية والعراقية.‏

يبدو أن الكذب لم يعد يكفي أردوغان كي يقدم إحاطته المعتادة في تدوير زوايا التضليل والفبركة أو برمجتها على مقاس أوهامه ووفق تمنياته، حيث بات الكذب عملة مستهلكة لا تجدي ولا تنفع، وأسلوباً ممجوجاً ينفر منه الجميع، فلجأ إلى الخلط بين الكذب القديم وما تمكن من سرده بحلته الجديدة حتى كاد يخرج من جلده.‏

وحين شعر أن كل تلك الأكاذيب وخلطاتها المتعددة لم تجدِ نفعاً لجأ إلى النفاق الذي تفوق فيه على الكثير من الساسة الغربيين الذين احترفوا التعاطي معه، ولم يتردد في سرد حكايات مفبركة عن واقع كان المسؤول الأول عنه بعد سياسة مغرقة في تورطها بالعلاقة مع التنظيمات الإرهابية وما نتج عنها، وفي مقدمتها تلك المتعلقة بسرقة داعش للنفط وبيعه عبر الأراضي التركية وبإشراف مباشر من حكومته.‏

فدعواته الجوفاء للتعاون تدحضها مشكلاته، التي طالت الجميع من دون استثناء في المنطقة وخارجها، ولم تسلم منها حتى واشنطن التي نالها ما نالها من انتقاد، والأدهى حين يوصّف ما تواجهه دول المنطقة من مشكلات كان لسياسة تركيا الدور الأكبر في تفاقمها وتأزمها، وكان لتدخلها الفج فيها الدور المخرّب والمحرّض والمفجر سواء كان مباشرة أم عبر وكلائه الذين استبدلوا جلدة الأخوانية بعباءة التنظيمات بتدرج تسمياتها واختلاف انتماءاتها.‏

ما يدركه أردوغان -قبل غيره -أن السبب الذي فاقم مشكلات المنطقة ليس عدم (تحريك ساكن) على حد وصفه، من بعض الدول الغربية بقدر ما هو ناتج عن تدخلها إلى حد التورط في الشؤون الداخلية لهذه البلدان، والذي كان السبب الحقيقي في انتشار الإرهاب والتطرف، حالها في ذلك حال ممارساته التي بدت أكثر نفوراً ووقاحة من غيرها، وهي في الحد الأدنى تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في سورية وغيرها.‏

وآخر الموبقات وإن لم يكن آخرها كان تباكيه على أطفال سورية وقد فظعت بهم مرتزقته من الإرهابيين المدعومين من حكومته والمنظَمين والموجَّهين من استخباراته، وأن ما يعانيه السوريون لم يكن إلا نتيجة مجازر إرهابييه وارتكاباتهم وفظائعهم، ومن يقف خلفهم ويدعمهم، وفي المقدمة حكومة أردوغان ذاته.‏

المفارقة ليست فيما تحدث به ولا فيما كذب فيه، فلا حديثه يقدم ولا أكاذيبه تضيف إلى القائمة ما هو غير موجود فيها، ولا هي في كل الموبقات التي ما فتئ يرمي حبالها غرباً وشرقاً.. ويوزع عِبرها نصائحه المشتقة من وهم السلطنة البائد، بل في الدور الذي يصر على الغوص فيه معيناً ومساعداً ومرتهناً ومعولاً على الإرهاب وتنظيماته، ومراهناً على الوهم في مرافعاته التعبوية.‏

ما فاته أن الفبركة والادعاء الأجوف لم يعد ينطلي على أحد، ولا يمكن له أن يبرئ أحداً، فالقرائن والأدلة لا يمكن أن تخفيها حذلقة الكلمات ولا الصوت المرتفع، ونبرة الاتهام تزرع تفاصيله وتحاكي آخر ما نشأ عبرها، فالتاريخ يقول: إنّ ذاكرة العالم لا تخفيها كل بكائيات الكون ولا تمحيها بعض الانشائيات، بل تؤكدها وتجزم بحتميتها ولو كان بعد حين..!!‏

بقلم: علي قاسم