الشريط الإخباري

الإرهاب سياسة رسمية-صحيفة البعث

في الأيام الأخيرة، وكعادتها في مثل هذه الأمور، مرّت وسائل الإعلام بسرعة مريبة على عدة أخبار ومواقف دون أن تمعن فيها تحليلاً وتمحيصاً لبيان كامل أبعادها ودلائلها، بل لعلها، أي وسائل الإعلام، فعلت ذلك بصورة مقصودة للتعمية والتغطية على هذه الدلائل والمؤشرات.

أول خبر من هذه الأخبار كان مقتل “داعشي” من فلسطينيي 48 في مواجهة الجيش العربي السوري في معارك “تدمر”، والثاني كان قيام رجل أمن سعودي بالترحّم، أمام ذوي الضحايا وأقربائهم، على الانتحاري الداعشي الذي استهدف مسجداً في السعودية، والثالث كان اكتفاء الأمم المتحدة بالتعبير عن القلق، و”الأزهر” بالمطالبة بالمحافظة على آثار تدمر، وتجاهلهما قيام داعش بإعدام 400 مدني فيها، أما الخبر الرابع فكان إعلان المناضل البحريني نبيل رجب أن “غالبية شباب البحرين الذين التحقوا بمنظمات إرهابية مثل داعش جاؤوا من المؤسسات الأمنية والعسكرية”، وهو ما كلّفه اعتقالاً جديداً في سجون آل خليفة.

ففيما كان من الواجب، وفي ظل واقع طبيعي، أن تتجه بوصلة الفلسطيني إلى مواجهة العدو الصهيوني على أراضي بلاده، وبوصلة رجل الأمن السعودي للترحّم على الضحايا لا القتلة، وبوصلة الأمم المتحدة لتنفيذ قراراتها الملزمة ضد الإرهاب وداعميه، وبوصلة الأزهر نحو الإنسان باعتباره خليفة الله على الأرض، وبوصلة الجيش البحريني لحماية بلاده وقضايا العرب وفلسطين على رأسها، فإن انحراف البوصلة لدى هؤلاء جميعاً يشي بفداحة المشكلة من جهة، ويقدّم، من جهة أخرى، صورة أكثر وضوحاً عن منابع الإرهاب وأسس تغذيته واستمراره، سواء الواعية منها أم غير الواعية.

والأمر فإن ما تفصح عنه هذه الأخبار، وغيرها الكثير، هو أن الإرهاب سياسة رسمية شبه معلنة لدول عدة، تقررها حكومات وتجيّش لها سياسيين، ومثقفين، ورجال دين، ووسائل إعلام، ومناهج تربية وتعليم، وغير ذلك من وسائل إعادة هندسة الوعي المختلفة، وفيما يستخدمه بعضها لمجرد الحفاظ على عرشه الأبدي، أو تحقيق أوهامه السلطانية، فإن السياسة الأمريكية، وفي سياق سياسة الهيمنة المستدامة، تريد من الإرهاب أن يدمّر “الهويات الوطنية في المنطقة؛ محوّلاً إياها إلى انتماءات عرقية دينية بدائية غير قابلة للتطور”، مستفيداً من حقيقة أن تركيبة السلطات العربية، بل والثقافة العربية للأسف، “قائمة أساساً على إلغاء الآخر، الديني والقومي، وعلى المذابح والإبادة والتهجير القسري”، ما يُنتج بالمحصلة “السفّاحين” والقتلة ويجعل منهم السلعة الأكثر توافراً في هذا الشرق المريض.

وإذا كان “جو بايدن” قد كفانا مغبة إثبات دعم دول الخليج للإرهاب، فإن وثائق البنتاغون التي كُشف عنها الأسبوع الماضي، كشفت علم ودعم واشنطن و”القوى الداعمة للمعارضة”، ومنذ البداية لموضوع “إقامة إمارة سلفية” في سورية، كما كان لشهادة ضباط في قوات الأمن التركية أمام محكمة تركية أن تكشف دعم تركيا الرسمي وبالسلاح النوعي للإرهابيين، ومنذ البداية أيضاً.

وبهذا الإطار يصبح استنهاض “أبي بلال” التركي، أي “أردوغان” “تتار القرم” ضد روسيا أمراً مفهوماً في سياق مشروعه وتاريخه الإرهابي، كما يصبح مفهوماً كيف يَصبُّ أغلب جهد “طيران التحالف” ميدانياً في خدمة مكوّن سوري وعراقي معين بهدف واضح لكل ذي عينين، والأهم أننا نستطيع أيضاً أن نقرأ، ومنذ اليوم، مقررات مؤتمر باريس الذي سيعقد بعد أيام عدة حول استراتيجية جديدة للتحالف الدولي ضد “داعش”، فهي، أي المقررات، لن تكون سوى البضاعة الإرهابية التي دفع ثمنها حكام الخليج لـ “هولاند” في قمتهم الأخيرة في الرياض.

والحال فإنه لا يحارب الإرهاب سوى المتضررين منه، وهذا ما يستلزم أولاً تحديد العدو، وهو كل من يستخدم الإرهاب سياسة لتحقيق أهدافه، سواء كان إرهابه بالسلاح، أم بالفكر، أم بالدين، وصولاً إلى الإرهاب بالفساد والإفساد، وحتى احتكار السلع والبضائع بغية رفع أسعارها، واستغلال الموقع الوظيفي لأغراض خاصة، وغير ذلك الكثير، وثانياً الانتقال من الدفاع إلى الهجوم، وإلّا فالنزيف باقٍ.

بقلم: أحمد حسن