الشريط الإخباري

التشكيلي بسام ناصر: الفنان السوري مرتبط بتراثه الحضاري والثقافي

دمشق-سانا

يقدم التشكيلي بسام ناصر من خلال لوحته حالات انسانية متعددة عبر استخدامه لمفرد تشكيلي وأحد كمحور لعمله غالبا ما يكون الأنثى عبر البورتريه أو الجسد مع استخدامه لمفردة الوردة والسمكة في بعض الاحيان معتمدا أسلوبا خاصا يخلط بين التعبيرية والتجريد مع البساطة في توضع الخطوط والألوان.

هذا الوجه الانساني الذي يقدمه ناصر ينطبع في الذاكرة بخطوطه وألوانه ويتعزز وجوده في أغلب الاعمال لنجد أن هذا الوجه يخص ريشة هذا الفنان دون غيره ما يحقق البصمة الفنية لأعماله ويميزها بكل مكوناتها التشكيلية.4

وعن عمله الفني يقول التشكيلي ناصر في حديث ل سانا.. إن اللون الأبيض هو السائد في أغلب أعمالي فهو اللون الذي ينظم توضع المفردات والمسؤول عن تحقيق التوازن واشبهه في ذلك بمفهوم الصمت الذي يترافق مع الصوت وتأتي المفردات التشكيلية مع باقي الألوان بمثابة الصوت ما يشكل مزيجا موسيقيا يوصل رسالة بصرية ملأى بالهارموني بعيدا عن الضجيج والثرثرة اللونية.

ويوضح ناصر أن المعنى في لوحته مرتبط بالحس والاستشعار أكثر مما هو مرتبط بالفكر والمفهوم وكل متلقي يضع الترجمة الخاصة به تجاه اللوحة مبينا أنه يجب التمييز بين التجريد الحسي والوصول إلى عناصر حسية خالصة وصادقة وبين التجريد الفكري والوصول إلى مختزلات للمفهوم أو خلاصات فكرية لأن الفكرة الموضوعة مسبقا تؤثر وتشوش على صدق الإحساس وبالتالي تؤثر على بناء اللوحة فتكون بعيدة عن العفوية.

ويرى ناصر أن كل المفردات الفنية التي يستخدمها الفنان مرتبطة بالبيئة الاجتماعية والتاريخ والأساطير والتراث موضحا أن الوجه الإنساني في لوحته يكون أحيانا متكسرا وحزينا وصادقا ومتواضعا فالحزن مرتبط بالإنسانية والألم كذلك.

ويلفت ناصر إلى أن “الانسان السوري بطل لوحاته لأنه بعيد عن الماديات والاقنعة والاجرام بعكس ما يحاول أعداء سورية الترويج له في الخارج عبر الإعلام”.2

وعن حال التشكيل السوري في ظل الازمة يقول  “بعض الفنانين سادهم جو من التشاؤم والاكتئاب نتيجة الأزمة فقل عملهم الفني وضعفت مشاركتم ووصل الحال ببعضهم لحد التوقف عن الرسم لكن البعض الآخر من التشكيليين استشعر الخطر والاستهداف لكل القيم الجمالية والثقافية والانسانية في سورية فكان رد فعلهم مزيدا من العمل والانتاج الفني شعورا بالمسؤولية لمواجهة هذه الهجمة الشرسة على الوطن والانسان السوري.

ويقول.. إن سورية ملأى بالقامات الفنية المهمة والمواهب الشابة وهي امتداد لحضارة اوغاريت التي صدرت الابجدية للعالم كله وما زالت تصدر القيم الانسانية والمحبة والسلام من خلال أعمال الفنانين ومشاركاتهم الكثيفة في المعارض العالمية.

وحول وجود هوية خاصة بالفن التشكيلي السوري يعتقد ناصر أن السوريين يملكون الهوية الخاصة بهم من خلال إيلاء الروح أهمية أكبر من المادة والمضمون اكثر من القشور مبينا أن العلاقات الاجتماعية والتاريخ والتراث أضافت قيما حقيقية للفن السوري وساهموا في تشكيل هويته.

ويقول.. إن الفنانين السوريين يتأثرون ويؤثرون بالبيئة الخارجية وهذا أمر طبيعي لأن الفنان شديد الحساسية تجاه محيطه وبالتالي لا مشكلة عندما يتأثر الفنان بالفن الغربي مثلا ولكن ضمن الهوية الانسانية دون طمس للهوية السورية التي ينتمي إليها.

ويوضح ابن محافظة اللاذقية أن الفنانين السوريين في الخارج سفراء للفن المحلي وعليهم مسؤولية إظهار هذا الفن بحقيقته الانسانية الخالصة مع إضافة قيم جديدة إلى الفن السوري وإغنائه وتطويره بما يلامس هويتنا ويتكامل مع الهوية الانسانية العالمية.

ويجد ناصر أن هناك ضرورة كبيرة لفهم مدى تأثير الفن في بناء المجتمع وتطوير الانسان فيه لافتا في الوقت نفسه لوجود نقص في هذا الفهم على المستوى الثقافي “فأغلب الأنشطة التي تقام لا تقدم اضافة حقيقية في هذا السياق وتتم من باب الواجب والروتين والعادة دون تخطيط ورغبة حقيقية بتفعيل دور الفن في المجتمع”.3

وحول واقع السوق الفنية يقول ناصر..  “يختلف العمل الفني عن السلعة الاستهلاكية فهو غير مرتبط بتكلفة الانتاج ومع ذلك هناك أحيانا تقاطعات في العوامل الموءثرة على تسويقه وأهم عامل الآن هو وجود الازمة في سورية والتي أثرت سلبا على الاقتناء المحلي للأعمال الفنية وتسببت بحالة ركود” مؤكدا أن هناك عاملا قديما ما زال هو الأخطر على السوق الفنية لدينا من خلال ضعف الثقافة الفنية العامة في المجتمع وبالتالي ضعف في الحاجة لاقتناء الاعمال الفنية.

وعن التوجه للحداثة وتأثيرها على التشكيل السوري يرى ناصر أن الحداثة لا تلغي الهوية التشكيلية السورية وهي مرتبطة بالتطور الطبيعي للفن رغم أن فنانينا مرتبطون بقوة بأرضهم وجذورهم والحداثة هنا مثل تجدد الاوراق ونمو الثمار والنضج.

التشكيلي ناصر الذي شارك مؤخرا في معرض جمعه مع التشكيليين عناية البخاري ورامي صابور في صالة الشعب بدمشق يجد أن المعارض الجماعية اليوم مفيدة جدا للفنان والمتلقي ما يزيد من التواصل والتعاون بين الفنانين بشكل إيجابي لنشر وتطوير الثقافة الفنية في المجتمع وللمقارنة بين تجربته وتجارب باقي المشاركين فيتمكن من تحديد مستواه وما وصلت إليه تجربته الفنية كنوع من التقييم الذاتي لتقويم المسار الفني لديه إلى جانب إتاحة الفرصة للمتلقي لمشاهدة عدة تجارب فنية متنوعة بمكان واحد.

ويؤكد ناصر ضرورة وجود شروط للمعارض الجماعية حرصا على تطور الفن بشكل سليم وزيادة الثقافة التشكيلية البصرية لدى المجتمع مع تلافي عرض تجربة ضعيفة مع تجارب عالية المستوى لكونه يسبب التشويش للمتلقي وضعفا في التقدير والتقييم بما يؤثر سلبا على ثقافته الفنية رغم أن المتلقي برأيه ليس هو الحكم في تحديد مستوى التجربة الفنية لأي فنان بل الفنان أولا هو المخول بذلك ثم المتخصصون فالمتلقون.

ويرى ناصر أن العبء اليوم كبير على اتحاد التشكيليين ووزارة الثقافة وحدهما في رعاية التشكيل السوري في هذه الازمة داعيا لتكاتف جميع الجهود لدعم الحركة الفنية لاهميتها في الخروج من هذه الحالة الصعبة التي نعيشها.5

والفن بمنظور ناصر جامع لكل أطياف الناس مهما اختلفت مشاربهم وانتماءاتهم ويحقق درجات عالية من التواصل الانساني ويؤثر على تطوير المجتمع بشكل فعال ولا يمكن سلخه عن الأخلاق والعلم فالكل في مرتبة واحدة لذلك يجب على الجميع أن يؤمن أن بناء الانسان والوطن لا يتم بشكل سليم إلا بالبناء المتوازن للعلم والاخلاق والفن.

ويختم ناصر بالتعبير عن تفاؤله بمستقبل الفن التشكيلي السوري لان العقل والفكر السوري خلاق ومبدع بطبيعته وهذا ما يخيف الأعداء على حد تعبيره مبينا أن كل ما نشاهده الآن هو حرب لاستهداف هذه العقلية السورية المبدعة ومحاولة سلخ وفصل الشباب عن جذورهم وتاريخهم لكن “الانسان السوري كقصة طائر الفينيق الذي لا يمكن أن يسقط إلا واقفا وعندما يحترق لا ينطفأ بل يعيش من جديد بإشراق أكبر”.

والفنان بسام ناصر من مواليد اللاذقية عام 1971 درس الفن دراسة خاصة وهو عضو باتحاد التشكيليين السوريين وله العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وأعماله مقتناة من قبل وزارة الثقافة وضمن مجموعات خاصة.

محمد سمير طحان

اترك تعليقاً