«الخائفون من الديموقراطية»-بقلم: أمين بن مسعود/ كاتب تونسي

أن ترفض فرنسا – عنوان ثورة الأنوار كما تسمى– مشاركة السوريين في استحقاق انتخابي شعبي يهم حاضرهم ومستقبلهم فهذا إجراء يكشف ليس عن ازدواجية في مستوى الفعل والقول حيال حق الشعب السوري في تقرير مصيره فحسب وإنما يميط اللثام عن عدم اقتناع فرنسي خاصة وغربي عامة بقيمة الديموقراطية في الحياة السياسية وبجدواها في بلورة مجال عمومي ديموقراطي تشاركي.

وأن تحول ألمانيا بدورها دون ممارسة السوريين لواجب وحق دستوري مكفول في كافة الدساتير الوضعية, فهذه خطوة تثبت أن برلين لم تقتنع بعد بحقّ «الأقليات» و«الجاليات» المغتربة في التواصل مع الدولة الأم وفي المساهمة في نحت مستقبلها وفق إرادتهم ورغبتهم.

القضية تتجاوز المقولة النمطية المقولبة غربياً والتي بات الغرب بحد ذاته لا يصدّقها تحت جحافل «المقاتلين» التكفيريين الذين أصبحوا يهددون الأمن القومي لبلدان عديدة من بينها فرنسا وألمانيا.

القضية ليست عناوين ديموقراطية ولا شعارات ثورجية مهترئة باعتبار أن هذه الدول بحد ذاتها رفضت مجرد إفساح المجال للناخبين السوريين للإدلاء بأصواتهم.

تعامل فرنسا وألمانيا بهذه الطريقة الاستئصالية الاجتثاثية مع الاستحقاق الانتخابي السوري يميط اللثام عن ترسبات استعلائية استعمارية تتجسد في «إسقاطات» سياسية رافضة للتأصيل الديموقراطي الشامي, وهو أمر لايعود فقط لـ«النفاق» السياسي لهذه الدول وإنما – وهذا هو الأهم– لرفض هذه الدول لكل عملية سياسية سيادية تؤمن سيادة الدولة السورية وتثبّت حرية قرار شعبها وتدعم استقلال سورية- الدولة والدور- في الخيار والقرار.

الرفض الغربي، ممثلاً بالقرارين الفرنسي والألماني، يثبت أن الإشكال مع الدولة السورية لا يتعلق بالأحداث الجارية منذ آذار 2011 بل هو مرتبط تمام الارتباط بكينونة الدولة السورية وبقرارها الوطني المستقل وهو ما يفسر «الهيام» الغربي باتفاقات جنيف وبالبند السادس الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالية في البلاد.. باعتبار أنه- أي البند السادس- يمثل القشة التي يتمسك بها كل أعداء سورية للتدخل في قرارها الوطني.. وفي الحقيقة فإنها قشة في أعينهم هم فقط ولكنها في الحقيقة سراب يحسبه الظمآن ماء.. وما أكثر العطشى في عالمنا العربي..

هنا يفترض بالناخب السوري سواء داخل القطر أو خارجه أن يدرك تمام الإدراك أن المشاركة في الانتخابات في هذا الظرف الاستراتيجي يشكل انصهار الشعب الحر مع الدولة المستقلة.

الغريب أن الغرب ذاته الذي اعترف جزء منه بـ«تجمعات المعارضة الكرتونية» والذي صفق طويلاً للانتخابات الداخلية لـ«ائتلاف الدوحة المعارض» على الرغم من يقينه التام بأن طريقة الانتخاب تمت في فنادق مغلقة وأجريت وفق تقاطعات «الطائفية السياسية بالأموال الخارجية» ونظمت على أساس الرغبة والإرادة الأمريكية والتركية, يرفض اليوم إجراء انتخابات رئاسية هي في الحد الأدنى أكثر شفافية وتمثيلية ومصداقية من كافة «الانتخابات» للمجالس المعارضة التي أجريت تحت جنح الظلام.

قد تكون من المفارقة أن الغرب ذاته الذي يرفض بشدة أن يصل حاكموه ورؤساؤه إلى سدة السلطة بطريقة «أموال في الفنادق ونيران البنادق وتكفيريي الخنادق» هو ذاته الذي يفرض على الشعب السوري «مجالس حكم» و«ائتلافات سياسية» شبيهة بذكر النحل الذي يموت ويفنى بمجرد إتمام مهمته «القذرة»، وهو ذاته- أي الغرب- الذي يصادر من الشعب السوري حقه في «صوت المهجر» ويسقط عليه وجوهاً سياسية مطبوعة بطابع «الارتزاق السياسي» و«الاستثمار» في الأزمات الوطنية.

الغرب الذي هلّل لـ«انتقالات سياسية» على شاكلة تميم بن حمد في قطر, والذي طبّل طويلاً لقمع صوت الحرية والثورة الحقيقية في البحرين المنادية بإجراء انتخابات في البلاد والذي صفق للإصلاحات الدستورية «العملاقة» التي أتت بها دولة عربية إسلامية تمثلت في إقرار انتخاب نصف المجالس البلدية التي لا تتمتع بأي سلطة حقيقية- أتذكر هنا دريد لحام في مسرحية «كاسك يا وطن» عندما يصرخ قائلاً: آه يا عيني- … هذا الغرب لا يحق له الحديث عن الديموقراطية ولا يحق له أيضاً التدخل في شؤون دولة كان لها من الشفافية والمصداقية أن طرحت مشروعات للإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي واعترفت في أكثر من مناسبة بالأخطاء الموجودة في مؤسساتها داعية وواعدة بتلافيها وتجنبها.

كيف يكون من «المنطقي» للغرب أن يغلق أبواب السفارات السورية مانعاً السوريين من التعبير عن موقفهم السياسي وهو يعلم أنه في انتخابات 3  حزيران – لا توجد ثلاثية «رفاهية الفنادق ونيران البنادق وإرهاب الخنادق», ولن تتمخض أيضاً وهذا بالتأكيد بـ«رؤساء البيادق»..؟!

صحيفة تشرين