بين “النيّات الجيدة” والأوهام المدمّرة- بقلم: أحمد حسن

في يوم واحد اعتدى المحتل التركي على مواقع عدّة شمال سورية، والمحتلّ “الإسرائيلي” على مواقع غربها، “مداجن وأرض زراعية في محيط بلدة الحميدية جنوب طرطوس”!.

التزامن بين الاعتداءين ليس غريباً وليس جديداً. إنه – على نزوعه الإجرامي والمدان – دليل جديد على وعي قديم، وشقيّ، لقيادات الطرفين يمكن تلخيصه بجملة واحدة: في قيامة سورية واستعادتها دورها وموقعها سقوط حتميّ ليس لمخططاتهما وأطماعهما فقط، بل، وهذا الأهم والأخطر، لنموذجيهما السياسي والمجتمعي معاً.

تركيا بنسختها الأردوغانية الواهمة – وليس تركيا الطبيعية – لا تجد في سورية المعافاة إلا عدوّاً، ليس باعتبارها سدّاً جغرافياً طبيعياً أمام مشروعها التوسعي فقط، وهذا أمر مهم وحقيقي، لكن أيضاً، وهذا الأهم، باعتبارها مخالفة وكاشفة لأنموذجها الفاشي، الإرهابي بالضرورة، لذلك “تقوم بالاعتداء على الأراضي السورية كلما حدث تقدّم للجيش السوري ضد التنظيمات الإرهابية” – كما قال الرئيس بشار الأسد – متسلّحة بادعاءات “باطلة ومضلّلة ولا علاقة لها بالواقع، وتنتهك ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وروابط حسن الجوار التي يُفترض أنها تجمع بين البلدين الجارين”.

ذلك هو أيضاً حال الكيان الصهيوني مع ملاحظة فارق مهم هو أنه، ورغم كل المحاولات الحثيثة، والقديمة، لقبوله، وتبيئته – سواء محاولات بعض أهل المنطقة لجعله على مثالهم، أو محاولاته هو لجعل المنطقة على مثاله – ليس طبيعياً بالمطلق، لكنه ومع ذلك يتشابه هنا مع “الأردوغانية” من حيث إنه لا يرى في سورية المعافاة إلا عدوّاً، وأنموذجاً، كاشفاً لمثالبه وجرائمه و”غربته” المطلقة عن المنطقة وأهلها، لذلك تأتي جرائمه ضدها كـ “إحدى وسائل الحرب الإرهابية التي تتعرّض لها البلد بهدف زعزعة الأمن والاستقرار فيها”، كما أوضح وزير الخارجية الإيراني في زيارته الأخيرة لسورية.

هنا، لا يجب أن نُغفل حقيقة ساطعة وهي أن الاعتداءات التركية – الأردوغانية مجدداً – والصهيونية محميّة من “غرب” قرّر أن المجاميع الإرهابية – وهي ليست أفراداً تائهين فقط بل قيادات رسمية لدول محدّدة – هي الأصلح والأكثر إفادة لمشروعه في السيطرة على العالم، وخاصة في هذه المرحلة الحرجة، لذلك نشهد هذه “المغازلة” العلنية معها، سواء في “مخيم التنف” حيث يحمي “داعش” و”يربّيها”، أم في محاولة إنشاء “ناتو شرق أوسطي” لخدمة “إسرائيل” أولاً، أو حتى التنازل الأخير لـ “الأردوغانية” في مسألة توسيع “الناتو” الأطلسي، دون أن نُغفل أن هذه “العلاقة” الغربية مع الإرهاب وممثليه هي تخادمية أيضاً، وربما كان نقل أردوغان لإرهابيي “داعش” و”النصرة” إلى أوكرانيا مؤخراً أحدث دليل عليها.

بهذا المعنى، لا يبدو العالم، والمنطقة تبعٌ له، مفتوحاً أمام حلول “النيّات” الجيدة، أو حتى بعض الحلول المبتورة، وغير المنطقية، فلا يمكن مثلاً لـ “الأردوغانية” أن تفهم، إلا مضطرّة، النيّات الجيدة المتمسكة بضرورة “ردم ما أمكن من الخلافات” بين البلدين – أي سورية وتركيا – لمصلحتهما معاً، وبالتالي أهمية “التأسيس لحوار جدّي وفاعل يفضي لاحقاً إلى مصالحة شاملة بين الجارتَين”.

وأيضاً لا يمكن لرهان ما على “فرعية” مبتورة لحل شامل، كرهان “غير بيدرسون” مثلاً، بصفته ممثلاً  للمنظمة الأممية، على “اللجنة الدستورية”، كما قال في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي، أن يحقق شيئاً وخاصة أن قسماً كاملاً من هذه الأخيرة يرفض توصيف الفعل التركي، مجرّد توصيف، بالإرهاب، ناهيك عن محاربته، لأنه خاضع له، بينما مجلس الأمن بأسره، أو للدقة بأغلبيته الكاسحة، والذي تحدّث أمامه بيدرسون، رفض “إدانة العدوان الإسرائيلي على مطار دمشق الدولي”، ليكتفي الرجل، أي بيدرسون، بتكرار “قلق الأمين العام” من هذه “الغارات”!.

هنا، وإن تجاوزنا المعنى الكامن والخطير في استخدام لفظة غارة، بدل “الاعتداء”، فإننا لا نستطيع تجاوز حقيقة أن ميراث رجل “القلق” الكبير “بان كي مون” لا يعني شيئاً في صراعات العالم الحادة والدامية هذه، ولا تجاوز حقيقة أن “النيّات الجيدة” والصادقة للتقريب بين الأطراف لا تعني الكثير أيضاً، ما لم يرافقها خطوات عملية على الأرض وأولها التراجع عن جريمة احتلال أراضي الغير بالقوة والخديعة.. ثم لكل حادث حديث.

انظر ايضاً

خارج السياق الإنساني.. داخل سياق الغابة.. بقلم: أحمد حسن

بالتأكيد لم يكن العدوان الإسرائيلي الأخير على دمشق خارج السياق الحالي، كما “يحلّل” البعض، بل …