الشريط الإخباري

فانتازيا» أوباما و«سوريالية» كيري

بين «الفانتازيا» الأوبامية والسوريالية الكيرية تجري سباقات الكذب الكبرى ومسافات النفاق في طورها الأعظمي، وتدور عجلة الأحداث وتسري لغة التنبؤات ذات البعد الأكثر افتراضاً في معالم السياسة الأميركية،
حين تصرّ على الاجترار من الكأس المرّ دون أن تتعلم، وأن تنفخ في القربة المثقوبة دون أن تتحرج من الفشل أو مظاهر العجز الواضحة.‏
لم يستطع كيري أن يخرج من جلدته، ولا أن يكون للحظة واحدة صادقاً مع ذاته ونفسه، وكعادته لم يفلح في طرق الباب الصحيح، فذهب في الاتجاه الخطأ، وإلى العنوان الخطأ، مثله في ذلك مثل رئيسه الذي يطلب من الكونغرس دعماً علنياً بنصف مليار دولار أميركي لمن سمّاهم قبل ايام «بالفانتازيا».‏
بلغة الجغرافيا المستشرية هذه الأيام وبرموزها السرية والعلنية تتقدم الدبلوماسية الأميركية بقاموس مفرداتها، بعد ان أحالتها دبلوماسية العجز قسراً إلى مراجعها في الدفاتر القديمة سواء كان بعصا العدوان الإسرائيلي ام من خلال عكاز التنظيمات الإرهابية، لرسم الإحداثيات المستخرجة من المخططات البائدة، وإن تجددت ألوانها وتغيرت نقاط بنك أهدافها.‏
في المعلن والمخفي تتطابق الرواية الأميركية، حيث لا يخفي كيري ما يحمله في حقائب رحلاته المكوكية المحدثة على عجل، إثر التطورات الأخيرة بما في ذلك ما ذهبت به أحداث العراق وما فرضته من أجندات إضافية على إحداثيات التركيز والاهتمام الأميركي بما يجري في المنطقة.‏
الفارق في الحالين تكاد تكون محصلته النهائية هي ذاتها، ما بدأت وما تستهل به السياسة الأميركية مرحلة تطويع الجغرافيا لخدمة بنك الأهداف المستحدث على وقع الخرائط المعدة في المخططات السابقة، اعتماداً على ما سمنته من أدوات احتياطية كانت تتحرج من الدفع بها إلى حلبة السباق في رسم إحداثيات النفوذ والأطماع الغائرة، بحكم فشل حروب الوكلاء التقليديين والأدوات المستأجرة أو المرخصة مسبقاً للقتل باسم حروب أميركا الاستباقية.‏
لكن في سياق الحدث يبرز أن أميركا هي ذاتها التي تعود إلى المتاجرة بالوعود الكاذبة والفاضحة، فتبيع الوهم أكثر من غيرها بعد أن بالغت في شرائه من أولئك الوكلاء والمرتزقة، لكن هذه المرة من جيبها الخاص ولحسابها الخاص، حين يطلب أوباما نصف مليار دولار بالكمال والتمام، وهو يدرك قبل غيره أن نصف ملياره لا تساوي شيئا أمام مليارات وكلائه السابقين والحاليين واللاحقين بمن فيهم الذين يقبضون ثمن بيع نفطهم إلى إسرائيل.‏
آخر ما حررته البصمة الأميركية في سياق التداعيات القادمة أنها ألغت مراسم موسم رحيلها النهائي من المنطقة، وطلبت مهلاً إضافية لإغلاق ملفاتها المفتوحة، وأجلت فتح ملفاتها في شرق آسيا لبعض الوقت، وقد عادت شهيتها إلى العبث بخرائط المنطقة وإحداثيات وجودها السياسي والتاريخي على وقع أقدام التنظيمات الإرهابية التي تتوسع أفقياً في الغرب والشرق، وتتقلص عمودياً في الشمال والجنوب لتبقى الحراسة الكونية في المنطقة منضبطة تحت لواء الوكلاء بنسختهم الدينية وطبعتهم الإثنية والعرقية.‏
حين فتحت أميركا خزائن ما احتفظت به من دفاتر قديمة، وحين شرعت بواباتها أمام العودة إلى النسخ المحفوظة من الوكلاء والمرتزقة كانت تدرك أنها عودة إلى اللعب بالنار في كل الاتجاهات، وإعادة تأجيج للحرائق المشتعلة التي كادت تخمد أو في طريقها لكي تصبح كذلك، لكن فاتها أن زمن الاشتعال محكوم بالحسابات والمعادلات المترامية المجاهيل ومن كل الاتجاهات، وأن المنطقة ليست برميل بارود قابل للاشتعال فقط، بل هي أيضاً مفخخة إضافية اصطدمت بها جميع الامبراطوريات في العالم وانكفأت بعد أن انفجرت في وجهها.‏
والانفجار القادم الذي ينتظر أميركا أكبر من برميل بارود وأكثر من مفخخة سياسية واستراتيجية محكمة التصنيع، ولن يكتفي برسم طريق الانكفاء الأميركي بقدر ما سيحدد معالم غروب قادم على واشنطن أن تتهيأ له ليس في المنطقة بقدر ما هو على النطاق العالمي، ومن أدمن على إشعال الحرائق عليه أن يتدرب على لحظات الاختناق وما يليها!!‏
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم